كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ
بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً، وَشَرْعًا: أَخْذُ مَالٍ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشَرَائِطَ تَأْتِي.
وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْتِي.
لَا يُقَالُ: لَوْ حَذَفَ قَطْعَ كَمَا حَذَفَ حَدَّ مِنْ كِتَابِ الزِّنَى لَكَانَ أَعَمَّ لِيَتَنَاوَلَ أَحْكَامَ نَفْسِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَمَا عَدَاهُ هُنَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ فَذَكَرَهُ لِذَلِكَ، وَلَا يُعَارِضُهُ صَنِيعُهُ فِي كِتَابِ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُمَا صِيغَتَانِ لِكُلٍّ مَلْحَظٌ وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةٌ كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ وَهُوَ صَحِيحٌ، إذْ الْمُرَادُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ مُطْلَقُ الْأَخْذِ خُفْيَةً وَبِالْأُولَى الْأَخْذُ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ، وَسَارِقٌ وَمَسْرُوقٌ، وَلِطُولِ الْكَلَامِ فِيهِ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي الْمَسْرُوقِ) أُمُورٌ (كَوْنُهُ رُبْعَ دِينَارٍ) أَيْ مِثْقَالَ ذَهَبٍ مَضْرُوبًا كَمَا فِي الْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا خَبَرُ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ أَوْ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]
ِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ إلَخْ) يُرَدُّ عَلَى هَذَا الرَّدِّ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَبْوَابِ بَيَانُ الْأَحْكَامِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيَانَ أَحْكَامِ الْقَطْعِ مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ، وَبَيَانُ أَحْكَامِ نَفْسِ السَّرِقَةِ مَقْصُودَةٌ بِالتَّبَعِ، وَمَا أَشَارَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ عَدَمِ اخْتِلَافِ الْقَطْعِ مَمْنُوعٌ، إذْ عَدَمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْقَطْعِ بِالْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السَّرِقَةَ تُشَارِكُهَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا غَيْرِ الْقَطْعِ أَبْوَابٌ كَثِيرَةٌ كَالِاخْتِلَاسِ وَالِانْتِهَابِ وَالْجَحْدِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي الْحُرْمَةِ وَضَمَانِ الْمَالِ إنْ تَلِفَ وَأَرْشِ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِمُدَّةِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ السَّرِقَةُ عَنْهَا بِالْقَطْعِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ، بِخِلَافِ الزِّنَى فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِهِ وَعَدَمِ الْمُصَاهَرَةِ وَاسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ الْحَاصِلِ بِهِ لِعَدَمِ نِسْبَتِهِ لِلْوَاطِئِ، وَتَرَتُّبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَتَرَتُّبِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بَلْ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ.
(وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَفْعٌ لِمَا يَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ السَّارِقِينَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الزَّانِي بِكْرًا أَوْ مُحْصَنًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا لَاحِظْ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدَّ فِي الزِّنَى لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الزُّنَاةِ، وَذَكَرَ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ، وَالنِّكَاتُ لَا تَتَعَارَضُ
(قَوْلُهُ: كَوْنُهُ رُبْعَ دِينَارٍ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا يُسَاوِيهِ حَالَ السَّرِقَةِ اهـ شَرْحُ مَنْهَجٍ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا أَخْذُ مَالٍ إلَخْ.) هَذَا تَعْرِيفٌ لِلسَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمَا عَدَاهُ هُنَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا أَصَالَةٌ فِي الْحُدُودِ، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَابِ الرِّدَّةِ بِكِتَابِ الْحُدُودِ وَجَعَلَهُ أَبْوَابًا مِنْهَا بَابُ السَّرِقَةِ.
فَانْدَفَعَ قَوْلُ سم: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيَانَ أَحْكَامِ الْقَطْعِ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ وَبَيَانَ أَحْكَامِ نَفْسِ السَّرِقَةِ مَقْصُودٌ بِالتَّبَعِ اهـ.
وَمِمَّا يَدْفَعُهُ أَنَّ الشَّارِحَ كحج لَمْ يَجْعَلَا أَحْكَامَ السَّرِقَةِ تَابِعَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَاهَا تَابِعَةً هُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بَيَانُ الْحُدُودِ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: لِكُلِّ مَلْحَظٍ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْحُدُودَ فِي الزِّنَى مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ وَمُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهَا وَهُوَ التَّغْرِيبُ فَحَذَفَ لَفْظَ الْحَدِّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّخْصِيصُ بِبَعْضِهَا قَالَهُ حَجّ، وَإِنْ