للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ عُسْفَانَ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجُمْلَةِ دُونَهُمَا، وَتُسْتَحَبُّ عَنْهُ كَثْرَتُنَا، فَالْكَثْرَةُ شَرْطٌ لِسَنِّهَا لَا لِصِحَّتِهَا خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ، وَتُفَارِقُ صَلَاةُ عُسْفَانَ بِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ لِغَيْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَهَا إنْ نَوَتْ الْمُفَارَقَةَ بِخِلَافِ تِلْكَ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّالِثِ إذْ الْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَثَمَّ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَلْ، ذَهَبُوا وَوَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ سُكُوتًا فِي الصَّلَاةِ وَجَاءَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ إلَى مَكَانِ صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ إلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوهَا جَازَ.

وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ، وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ وَالْأُخْرَى فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهِ لِمَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا (وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ) نَدْبًا (فِي) قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا فِي زَمَنِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ جَارِيًا حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهَا، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَتُفَارِقُ صَلَاةَ عُسْفَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ عُسْفَانَ) وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا فِي الذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهَا أَفْضَلَ مِنْهُمَا أَنَّ تَيْنَكَ قَدْ تُوجَدُ صُورَتُهُمَا فِي الْأَمْنِ بِالْإِعَادَةِ فِي صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ، وَبِتَخَلُّفِ الْمَأْمُومِينَ لِنَحْوِ زَحْمَةٍ فِي عُسْفَانَ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهَا) وَبَقِيَ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ مَعَ عُسْفَانَ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ بَطْنَ نَخْلٍ أَفْضَلُ مِنْ عُسْفَانَ أَيْضًا لِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: وَتُفَارِقُ صَلَاةَ عُسْفَانَ) أَيْ حَيْثُ جُعِلَتْ الْكَثْرَةُ هُنَا شَرْطًا لِلسِّنِّ وَثُمَّ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ لسم عَنْ م ر وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لَمَّا كَانَ يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي الْأَمْنِ فِي الْجُمْلَةِ حُكِمَ بِجَوَازِهَا مُطْلَقًا، وَصَلَاةُ عُسْفَانَ لَمَّا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْأَمْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اُقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَذَلِكَ مَعَ الْكَثْرَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ جُمْلَةُ الْقَوْمِ مَشْغُولِينَ بِالصَّلَاةِ كَانَ فِي تَفْرِيقِهِمْ مَعَ الْقِلَّةِ تَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ فَمُنِعَتْ، بِخِلَافِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِنَّ الْحَارِسَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِالصَّلَاةِ كَانَتْ مُتَهَيِّئَةً لِدَفْعِ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّالِثِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

[النَّوْعُ الثَّالِثُ أَنْ تَقِفَ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ وَهُوَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ]

(قَوْلُهُ: الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجُمْلَةِ) كَتَبَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ عَلَى عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ الْمُسَاوِيَةِ لِعِبَارَةِ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: قَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِلْإِجْمَاعِ إلَخْ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَفَارَقَتْ صَلَاةُ عُسْفَانَ إلَخْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِتَفْصِيلِهَا عَلَى صَلَاةِ عُسْفَانَ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِمَا قَالَهُ فِيهِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِيهَا قَطْعُ الْقُدْوَةِ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى وَإِتْيَانُ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ بِرَكْعَةٍ لِنَفْسِهَا مَعَ دَوَامِ الْقُدْوَةِ وَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ فِي حَالِ الْأَمْنِ مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَمْنُوعٌ حَالَةَ الْأَمْنِ اتِّفَاقًا، وَالِاعْتِذَارُ بِجَوَازِ الثَّانِي فِي الْأَمْنِ عِنْدَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ خُرُوجٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَأَيْضًا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْكَيْفِيَّتَيْنِ لَوْ كَانَتَا فِي الْأَمْنِ كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ عُسْفَانَ صَحِيحَةً اتِّفَاقًا، وَعَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَاطِلَةً فِي قَوْلٍ عِنْدَنَا لِطُولِ الِانْتِظَارِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنَّ عُذْرَ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ صَلَاةَ الْفِرْقَةِ الْأُولَى صَحِيحَةٌ فِي الْأَمْنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ عُسْفَانَ فَإِنَّ صَلَاةَ الْفِرْقَتَيْنِ فِيهَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْأَمْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي تَفْضِيلِ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى عُسْفَانَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا هَذِهِ غَيْرُ الْحَالَةِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا هَذِهِ، بِخِلَافِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبَطْنِ نَخْلٍ فَإِنَّهُمَا يُشْرَعَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَاحْتَاجُوا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَنْهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا الْأَفْضَلَ مِنْهُمَا كَيْ يُقَدَّمَ عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ) أَيْ اللَّازِمِ مِنْهَا اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ فِي الذَّهَابِ أَوْ الرُّجُوعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>