لِلْمَالِكِ ثَمَرُ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُهُ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ (وَ) الْمَشْهُورُ (أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ) وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ نَشَأَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَكَانَ كَالْحَاكِمِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَعَ ابْنِ رَوَاحَةَ وَاحِدًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ كَاتِبًا، وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ وُقِفَ الْأَمْرُ إلَى تَبَيُّنِ الْمِقْدَارِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا.
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْخَارِصِ (الْعَدَالَةُ) فَلَا يُقْبَلُ الْفَاسِقُ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ وَالْجَاهِلُ بِشَيْءٍ غَيْرُ أَهْلٍ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ (وَكَذَا) شَرْطُهُ (الْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ فِي الْأَصَحِّ) إذْ الْخَرْصُ وِلَايَةٌ، وَالرَّقِيقُ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ كَمَا فِي الْكِيَالِ وَالْوِزَانِ، وَعُلِمَ مِنْ الْعَدَالَةِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا بَصِيرًا إذْ الْخَرْصُ إخْبَارٌ وَوِلَايَةٌ وَانْتِفَاءُ وَصْفٍ مِمَّا ذُكِرَ يَمْنَعُ قَبُولَ الْخَبَرِ أَوْ الْوِلَايَةِ (فَإِذَا خُرِصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّهِمْ مِنْهُ، وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ إلَى الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَيُسَمَّى قَوْلَ الْعِبْرَةِ: أَيْ اعْتِبَارَ الْقَدْرِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ التَّضْمِينِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي الِانْقِطَاعِ وَالصَّيْرُورَةِ الْمَذْكُورَيْنِ (التَّصْرِيحُ) مِنْ الْخَارِصِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِتَضْمِينِهِ) أَيْ الْمَالِكِ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ كَأَنْ يَقُولَ: ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ بِكَذَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَقَبُولِ الْمَالِكِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْعًا التَّضْمِينَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ انْتِقَالُ الْحَقِّ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ ضَمِنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ بَقِيَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِحَالِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ اخْتِصَاصِ التَّضْمِينِ بِالْمَالِكِ، فَلَوْ خَرَصَ السَّاعِي ثَمَرَةً بَيْنَ مُسْلِمٍ وَيَهُودِيٍّ وَضَمَّنَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ جَازَ كَمَا ضَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْيَهُودَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْغَانِمِينَ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ.
قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَالتَّضْمِينُ يَقَعُ لِلْوَلِيِّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَمَنُ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ، وَالْخِطَابُ فِي الْأَصْلِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الصَّبِيِّ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِي أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْعًا (وَقِيلَ يَنْقَطِعُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تُمَيِّزُوهُ عَنْ بَاقِي الثَّمَرِ وَتُضَمِّنُوهُ لِلْمَالِكِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ: لِلْحَاكِمِ بَعْثُهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ قَوْلِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ وَقِيَاسُ مَا فِي الْمِيَاهِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَكْثَرُ عَدَدًا
(قَوْلُهُ: إذْ الْخَرْصُ إخْبَارٌ وَوِلَايَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَشَهَادَةٌ فَإِنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ الْوِلَايَةُ الْكَامِلَةُ الشَّامِلَةُ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: التَّصْرِيحُ مِنْ الْخَارِصِ) أَيْ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ الْإِمَامِ فِي التَّضْمِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَمِنْهُ شَرِيكُهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَضَمَّنَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ) قَضِيَّتُهُ صِحَّةُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْلِمُ فِي الْقَبُولِ، وَهِيَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي زَكَاةِ الْخُلْطَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَدَّى حَقًّا
[حاشية الرشيدي]
[شَرْطُ الْخَارِصِ]
قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النُّفُوذَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ قَبْلَ الْخَرْصِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مُقَابِلَ الْحُرْمَةِ، فَاَلَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ كَمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ قَبْلَ الْخَرْصِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ كَمَا يَأْتِي عَنْهُ، فَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ مِمَّنْ يَرَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ كَمَا ضَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْيَهُودَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْغَانِمِينَ) وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا سَاقُوهُمْ عَلَى الشَّجَرِ فَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فِي الثَّمَرَةِ حَتَّى يَتِمَّ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: قَدْ أَشَرْت لِذَلِكَ) أَيْ لِمَسْأَلَتَيْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَمَا أَشَارَ بِذَلِكَ أَيْضًا لِمَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ وَنَبَّهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute