فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ٢٦٧] قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» وَالْبَزُّ بِيَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ يُطْلَقُ عَلَى الثِّيَابِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَزَّازِينَ وَعَلَى السِّلَاحِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى التِّجَارَةِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا الْأَمْرُ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّا يُعَدُّ لِلْبَيْعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَع عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى وُجُوبِهَا
(شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ) كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاشِي وَالنَّاضِّ (مُعْتَبَرًا بِآخِرِ الْحَوْلِ) أَيْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ إذْ هُوَ حَالُ الْوُجُوبِ وَلَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهُ لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِ الْقِيَمِ (وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا إذْ تَقْوِيمُ الْعُرُوضِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَشُقُّ وَيَحُوجُ إلَى مُلَازَمَةِ السُّوقِ وَمُرَاقَبَةٍ دَائِمَةٍ (وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ) كَالْمَوَاشِي وَعَلَيْهِ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ فِي لَحْظَةٍ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَهَذَانِ مَخْرَجَانِ وَالْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ (فَعَلَى الْأَظْهَرِ) وَهُوَ اعْتِبَارُ آخِرِ الْحَوْلِ (لَوْ رُدَّ) مَالُهَا (إلَى النَّقْدِ) كَأَنْ بِيعَ بِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهِ آخِرَ الْحَوْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّقْدِ لِإِرَادَتِهِ الْمَعْهُودَ (فِي خِلَالِ الْحَوْلِ) أَيْ أَثْنَائِهِ (وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً) (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُهَا مِنْ) وَقْتِ (شِرَائِهَا) لِتَحَقُّقِ نَقْصِ النِّصَابِ بِالتَّنْضِيضِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ، أَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِعَرَضٍ أَوْ بِنَقْدٍ لَا يُقَوَّمُ بِهِ آخِرَ الْحَوْلِ كَأَنْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ، وَالْحَالُ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ وَهُوَ نِصَابٌ فَحَوْلُهُ بَاقٍ.
وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِهَا سِلْعَةً نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]
(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَوُجُوبِ فِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ) أَيْ فِي زَكَاتِهَا (قَوْلُهُ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَزَّازِينَ) ظَاهِرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَزَكَاةُ الْعَيْنِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا
[شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]
(قَوْلُهُ: وَهَذَانِ مَخْرَجَانِ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَالْمَخْرَجُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَجْهِ تَارَةً وَبِالْقَوْلِ أُخْرَى، وَكَتَبَ عَلَيْهِ عَمِيرَةُ: أَيْ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْوَجْهِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ اهـ ثُمَّ قَوْلُهُ بِالْوَجْهِ تَارَةً إلَخْ هَلْ التَّعْبِيرُ بِالْأُولَى أَوْلَى أَوْ بِالثَّانِي فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لِلْأَصْحَابِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِيهِ النِّسْبَةَ لِلْإِمَامِ بِأَنَّهُ قَالَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ الْأَصْحَابُ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُهُ أَوْ نُصُوصٍ أُخْرَى لَهُ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِهِ قَبْلَهُ) أَيْ التَّنْضِيضِ (قَوْلُهُ: وَالْحَالُّ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ بِدَنَانِيرَ) أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ اشْتَرَاهُ بِهَا، أَوْ كَوْنِهَا غَالِبَ نَقْدِ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ) وَهُوَ دُونَ نِصَابٍ وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا أَوْ هُوَ إلَخْ حَجّ.
ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ عَدَمِ انْقِطَاعِهِ فِي الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا شَارِحٌ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنْ تَأَمُّلِ كَلَامِهِ الصَّرِيحِ فِي أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ قُبَيْلَ آخِرِ الْحَوْلِ نَقْدًا آخَرَ يُكْمِلُهُ زَكَّاهُ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ تَمَامَهُ لِتَحَقُّقِ
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ نَقْصِ النِّصَابِ بِالتَّنْضِيضِ) يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَضَّ بِنَقْدٍ غَيْرِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَهُوَ أَنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute