لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَكْسِبُ كِفَايَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ. وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَيَسَّرَ لَهُ الْكَسْبُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ خُرُوجِهِ، وَالْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَقْدِرُ فِي الْحَضَرِ عَلَى أَنْ يَكْسِبَ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ لَهُ وَلِلْحَجِّ لَزِمَهُ إنْ قَصُرَ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْزَمُوهُ بِهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى وَكَذَا إنْ طَالَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَسْبَهُ فِي الْحَضَرِ تَحْصِيلٌ لِسَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا يَأْتِي فَلَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ فِي الْحَضَرِ مُطْلَقًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فِي السَّفَرِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ مُسْتَطِيعًا فِي السَّفَرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ قَبْلَ تَحْصِيلِ الْكَسْبِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ مُسْتَطِيعًا لَهُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ لِمَا مَرَّ، وَأَيْضًا؛ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ لِإِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى.
وَقَدْ نَقَلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اكْتِسَابِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِيمَا إذَا قَصُرَ السَّفَرُ وَكَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ، وَأَيَّامُ الْحَجِّ سِتَّةٌ إذْ هِيَ مِنْ زَوَالِ سَابِعِ الْحِجَّةِ إلَى زَوَالِ ثَالِثَ عَشَرِهِ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ إنَّهَا سَبْعَةٌ مَعَ تَحْدِيدِهِ بِذَلِكَ فِيهِ اعْتِبَارُ الطَّرَفَيْنِ، وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ أَنَّهَا مِنْ خُرُوجِ النَّاسِ غَالِبًا وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الثَّامِنِ إلَى آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَمَا ادَّعَاهُ فِي الْإِسْعَادِ مِنْ كَوْنِ تَقْدِيرِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَمَتُّعًا وَإِفْرَادًا مُمْكِنٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ الْأَرْكَانِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ، وَالْقَارِنُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ أَعْمَالِهِمَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُكْتَسَبَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ، وَلِأَنَّ إلْزَامَ الْكَسْبِ لَهُ يَوْمَ الثَّامِنِ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ سُنَنًا كَثِيرَةً، وَفِي الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ يَفُوتُ عَلَيْهِ أَيْضًا الرَّمْيُ فِي الْوَقْتِ الْفَاضِلِ وَتَحْصِيلُ سُنَنِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يَفُوتُ فِيهَا نَحْوُ ثُلُثِ النَّهَارِ فَكَانَ اعْتِبَارُ السِّتَّةِ أَوْلَى، وَيَظْهَرُ فِي الْعُمْرَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَسَعُ أَفْعَالُهَا غَالِبًا وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثَيْ يَوْمٍ.
(الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلٍ لَا بِزِيَادَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَدَرَ عَلَيْهَا أَوْ رُكُوبِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ إنْ قَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَصَحَّحْنَاهُ أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَهْلِ وَظَائِفِ الرَّكْبِ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) فَأَكْثَرَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ. نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ الْمَشْيُ حِينَئِذٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اللَّائِقِ بِهِ عَارًا وَذُلًّا شَدِيدًا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ بِغَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَانَ لِزَوْجَتِهِ الْفَسْخُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ خُرُوجِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ فِي الْحَضَرِ مُطْلَقًا) أَيْ قَصُرَ السَّفَرُ أَوْ طَالَ
(قَوْلُهُ: الصَّالِحَةِ) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَلِقْ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِي حَجّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ رُكُوبٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ قَبِلَهُ) وَهَلْ يَجِبُ الْقَبُولُ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَوَّلًا لِمَا فِي قَبُولِ الْوَقْفِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ وَمَاتَ الْمُوصِي هَلْ يَجِبُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ أَوَّلًا لِمَا تَقَدَّمَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ فِيهِمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرَ، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى وَيَنْتَقِلُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَاخْتِلَالُ شَرْطٍ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فَتَضْعُفُ الْمِنَّةُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحْنَاهُ) أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ) أَيْ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا حَمَلَهُ الْإِمَامُ
[حاشية الرشيدي]
[شُرُوط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
قَوْلُهُ أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ إلَى ذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ، فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لِلْإِمْدَادِ وَلَفْظُهَا بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute