ادَّعَى إذْنَهَا نُطْقًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَنْكُوحَةِ صُدِّقَ كُلٌّ فِيمَا نَفَاهُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ تَزَوَّجْتُكُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: بَلْ أَنَا فَقَطْ بِأَلْفٍ تَحَالَفَا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفَهُ فَقَطْ، وَعَلَّلَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَوَامّ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا مَا لَوْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا تَمْلِكُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ فَعَلَى الثَّانِي يُحَدُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ حُدَّ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ مِلْكِهَا لِلْجَارِيَةِ بِالدُّخُولِ إلَّا مِنْ قَرِيبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ مِمَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ.
مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ، وَهِيَ أَعْنِي الْوَلِيمَةَ اسْمٌ لِكُلِّ دَعْوَةٍ أَوْ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنْ اسْتِعْمَالُهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ وَفِي غَيْرِهِ مُقَيَّدَةٌ فَيُقَالُ وَلِيمَةُ خِتَانٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ مَحَلَّ نَدْبِ وَلِيمَةِ الْخِتَانِ فِي حَقِّ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ يُخْفَى وَيُسْتَحْيَا مِنْ إظْهَارِهِ، لَكِنْ الْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُهُ فِيمَا بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً، وَأَطْلَقُوا نَدْبَهَا لِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ، أَمَّا مَنْ غَابَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةٍ إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ فَكَالْحَاضِرِ (وَلِيمَةُ الْعُرْسِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ بَلْ هِيَ آكَدُ الْوَلَائِمِ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا فَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ» «وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْبَغَوِيّ لَوْ دَفَعَ لِغَيْرِهِ أَلْفًا فَهَلَكَ فَادَّعَى الدَّافِعُ الْقَرْضَ وَالْمَدْفُوعُ لَهُ الْوَدِيعَةَ صُدِّقَ الْمَدْفُوعُ لَهُ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ عَنْ مِنْهَاجِ الْقُضَاةِ لَوْ قَالَ بَعْدَ تَلَفِهِ دَفَعْته قَرْضًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ وَكَالَةً صُدِّقَ الدَّافِعُ اهـ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ كُلٌّ فِيمَا نَفَاهُ) أَيْ وَلَا نِكَاحَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَطِئَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ) أَيْ وَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الثَّانِي) هُوَ قَوْلُهُ هَلْ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا هُوَ قَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ، وَقَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى إلَخْ أَيْ وَعَلَيْهِ فَيُعَزَّرُ فَقَطْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ
(فَصْلٌ) فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ) أَيْ لُغَةً، وَقَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ: لِحَادِثِ سُرُورٍ) .
[تَنْبِيهٌ] قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ أَنَّ السُّرُورَ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةٍ فِيهَا طُمَأْنِينَةُ الصَّدْرِ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَالْفَرَحُ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةٍ عَاجِلَةٍ غَيْرِ آجِلَةٍ وَذَلِكَ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْفَرَحُ سُرُورًا وَعَكْسُهُ لَكِنْ عَلَى نَظَرِ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْحَقَائِقَ وَيَتَصَوَّرُ أَحَدَهُمَا بِصُورَةِ الْآخَرِ اهـ مُنَاوِيٌ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْجَنَّةِ دَارًا يُقَالُ لَهَا دَارُ الْفَرَحِ» (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) يَشْمَلُ الْمَعْمُولَ لِلْحُزْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ وَلِيمَةُ مَوْتٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهِمَا شَيْئًا آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ فِعْلِهِ فِيهِمَا.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ أَلِفٌ قَبْلَ الْوَاوِ إذْ هُوَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَّلَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا مَا يَأْتِي، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الثَّانِي مَعَ أَنَّ شُبْهَةَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَائِمَةٌ وَلَا بُدَّ.
[فَصْلٌ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute