للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَزَوَّجَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»

وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدِرَ عَلَيْهِ. قَالَ الثَّانِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ الَّذِي يُعْمَلُ فِي حَالِ الْعَقْدِ مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مُوسِرًا، وَسَكَتُوا عَنْ اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ» قَالُوا: إنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَفِيهِ دَلِيلُ عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْوَلِيمَةِ بِالزَّوْجَةِ وَنَدْبِهَا لِلتَّسَرِّي، إذْ لَوْ اخْتَصَّتْ بِالزَّوْجَةِ لَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي كَوْنِهَا زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَطَرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا مَا مَرَّ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَاتِ الْخَطَرِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَلَا آخَرَ لِوَقْتِهَا فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ: أَيْ عَقِبَهُ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ» فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ، وَلَا تَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْعَقِيقَةِ (وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ) وَصَوَّبَ جَمْعٌ أَنَّهُ قَوْلٌ، وَعَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ مُثْبِتَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ (وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ لِخَبَرِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا: أَيْ الزَّكَاةِ، قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَخَبَرِ «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ الشَّاةُ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَصَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ بِنَدْبِ عَدَمِ كَسْرِ عَظْمِهَا كَالْعَقِيقَةِ، وَوَجْهُ مَا قَالُوهُ ثَمَّ أَنَّ فِيهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَخْلَاقِ الزَّوْجَةِ وَأَعْضَائِهَا كَالْوَلَدِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ هُنَا فِي الْمَذْبُوحِ مَا يُسَنُّ فِي الْعَقِيقَةِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَوْ اتَّحَدَتْ وَتَعَدَّدَتْ الزَّوْجَاتُ وَقَصَدَهَا عَنْهُنَّ كَفَتْ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ التَّعَدُّدُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمُنَازَعَةُ بَعْضِهِمْ فِيهِ بِأَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهَا كَالْعَقِيقَةِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ مُطْلَقًا مَرْدُودَةٌ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّهَا جُعِلَتْ فِدَاءً لِلنَّفْسِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ لَيْلِيَّةٍ وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: ٥٣] وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا اهـ. مُتَّجَهٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لَيْلًا

(وَالْإِجَابَةُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ فَيَكْفِي فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ مِنْ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ مَا نَصُّهُ: رَوَى التَّوَقَانِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ بِطِّيخًا بِسُكَّرٍ» (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَحْجُبْهَا) أَيْ عَنْ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: فَلَا فَرْقَ فِيهَا) أَيْ السُّرِّيَّةِ (قَوْلُهُ: ذَاتِ الْخَطَرِ) أَيْ الشَّرَفِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَطَعَامٌ يُتَّخَذُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَوَقْتُهَا إرَادَتُهُ إعْدَادَهَا لِلْوَطْءِ، وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ سم بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِفِعْلِ الْوَلِيمَةِ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْإِجَابَةُ لِكَوْنِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فَهِيَ لِفِعْلِ مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَخْ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَجِبُ لَهَا حَيْثُ كَانَتْ تُفْعَلُ بَعْدَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا آخِرَ لِوَقْتِهَا (قَوْلُهُ: إنَّهَا لَوْ اتَّحَدَتْ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) أَيْ بِأَنْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: وَمُنَازَعَةُ بَعْضِهِمْ) مُرَادُهُ حَجّ (قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ الطَّعَامُ الَّذِي قِيلَ فِي شَأْنِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَعَلَهَا لَيْلًا) أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى سَنِّهَا لَيْلًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا مَا مَرَّ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِمَا مَرَّ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِحَجِّ لَكِنَّ ذَاكَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ مَا نَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ سِرَّهَا صَلَاحُ الزَّوْجَةِ وَبَرَكَتُهَا (قَوْلُهُ: لَوَجَبَتْ الشَّاةُ) هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى مَعَ قَطْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>