للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَوْ فَرْضُهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْوَاقِعَ.

لِأَنَّا نَقُولُ: مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ نَوَى خِلَافَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لِأَنَّ تَرْكَهُ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ وَعُدُولَهُ إلَى نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَوْ نِيَّةِ فَرْضِيَّتِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ.

وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضِيَّةَ الْإِبْدَالِ لَا الْأُصُولِ صَحَّ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ الْآنَ نَوَى الْوَاقِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِبْطَالِ وَجْهٌ (وَيَجِبُ قَرْنُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (بِالنَّقْلِ) الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ إلَى وَجْهِهِ إذْ هُوَ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ (وَكَذَا) يَجِبُ (اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَلَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَكْفِ إذْ النَّقْلُ وَإِنْ كَانَ رُكْنًا غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَزَبَتْ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامٍ لِأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا قَالَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الزَّمَنَ يَسِيرُ لَا تَعْزُبُ النِّيَّةُ فِيهِ غَالِبًا حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الْمَسْحِ لِلْوَجْهِ أَجْزَأَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الْأَصْحَابِ: يَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَدِّ بِهِ، وَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ الْمُعْتَدُّ بِهِ الْآنَ هُوَ النَّقْلُ مِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْوَجْهِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا تَجِبُ الِاسْتِدَامَةُ كَمَا لَوْ قَارَنَتْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ أَوَّلَ غَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ، وَالْأَوَّلُ أَجَابَ بِمَا مَرَّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ بِنِيَّتِهِ فَقَالَ (فَإِنْ) (نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ اسْتِبَاحَتَهُمَا (أُبِيحَا) لَهُ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ الْفَرْضَ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْكِيرُهُ لَهُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ تَعْيِينُ الْحَدَثِ الَّذِي يَنْوِي رَفْعَهُ، فَلَوْ عَيَّنَ فَرْضًا وَلَوْ مَنْذُورًا وَصَلَّى بِهِ غَيْرَهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِي الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ الْمَنْوِيَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ جَازَ، وَلَوْ عَيَّنَ فَرْضًا وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِهِ كَمَنْ نَوَى فَائِتَةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهْرًا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَصْرٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، إذْ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ التَّعْيِينُ، فَإِذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا مَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ، وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ فَرْضَيْنِ صَحَّ وَاسْتَبَاحَ وَاحِدًا كَمَا يُسْتَفَادُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تَوْحِيدِهِ مِنْ تَنْكِيرِهِ الْفَرْضَ، وَلَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ فَرْضَ الظُّهْرِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ أَوْ ثَلَاثًا.

قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ أَدَاءَ الظُّهْرِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْجُمُعَةِ وَسُنَّةُ تَيَمُّمِهَا لِانْحِصَارِ الْأَمْرِ فِيهَا (قَوْلُهُ: بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ الْمُتَيَمِّمِ (قَوْلُهُ: فَرْضِيَّةُ الْإِبْدَالِ) بِأَنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ قَاصِدًا أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ لَا أَنَّهُ فَرْضٌ أَصْلِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تَعْزُبُ النِّيَّةُ فِيهِ غَالِبًا) كَوْنُ التَّعْبِيرِ بِالِاسْتِدَامَةِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ، وَأَنَّ عُزُوبَهَا بَيْنَ النَّقْلِ وَالْمَسْحِ لَا يَضُرُّ يَبْعُدُهُ فَرْضُ الْخِلَافِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَمُقَابِلِهِ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِدَامَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيه.

قَدْ يُقَالُ: هُوَ لَا يُحَصِّلُ الْفَرْضَ لِأَنَّهُ مَتَى جَدَّدَ النِّيَّةَ عِنْد إرَادَةِ الْمَسْحِ وَقَبْلَ مُمَاسَّةِ التُّرَابِ لِلْوَجْهِ اكْتَفَى بِذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ عُزُوبَ النِّيَّةِ مُضِرٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُحَصِّلَةٌ لِلنَّقْلِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيه) أَيْ الْإِجْزَاءَ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ: إذْ الْمُعْتَدُّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يُنَافِيه.

(قَوْلُهُ: اسْتِبَاحَةُ فَرْضَيْنِ) أَيْ كَأَنْ قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ.

وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ نَوَى أَحَدَ فَرْضَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ كَأَنْ قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) مُعْتَمَدٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ بَعْدَ ذَلِكَ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ بِهِ إلَى مُجَرَّدِ صُورَةِ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ إلَخْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعِنْوَانِ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا تَجِبُ الِاسْتِدَامَةُ) أَيْ بَلْ يَكْفِي قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ عِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ

[بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمِ]

(قَوْلُهُ: إذْ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَالتَّيَمُّمُ مُبِيحٌ وَبِالْخَطَأِ صَادَفَتْ نِيَّتُهُ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>