«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (حَدِيثٌ شَرِيفٌ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الشِّرْكَةِ
بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَحُكِيَ فَتْحٌ فَكَسْرٌ وَفَتْحٌ فَسُكُونٌ، وَقَدْ تُحْذَفُ تَاؤُهَا فَتَصِيرُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ.
وَهِيَ لُغَةً: الِاخْتِلَاطُ. وَشَرْعًا: ثُبُوتُ الْحَقِّ شَائِعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الْقُدْسِيُّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
وَالْمَعْنَى: أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ فَأَمُدُّهُمَا بِالْمُعَاوَنَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَإِنْزَالِ الْبَرَكَةِ فِي تِجَارَتِهِمَا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْخِيَانَةُ بَيْنَهُمَا رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عَنْهُمَا، وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا.
وَمَقْصُودُ الْبَابِ شَرِكَةٌ تَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَلَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[كِتَابُ الشِّرْكَة]
ِ (قَوْلُهُ: وَحُكِيَ فَتْحٌ) يُشْعِرُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَفْصَحُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُحْذَفُ تَاؤُهَا) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ أَنَّهُ عَلَى الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ) وَلَوْ قَهْرًا انْتَهَى حَجّ: أَيْ كَالْإِرْثِ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ) أَيْ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ شَائِعًا (قَوْلُهُ: الْقُدْسِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى الْقُدْسِ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا لَهُ جَلَّ وَعَلَا حَيْثُ أَنْزَلَ أَلْفَاظَهَا كَالْقُرْآنِ، لَكِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ، وَالْأَحَادِيثُ الْقُدْسِيَّةُ لَيْسَ إنْزَالُهَا لِذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقُدْسِيَّةِ فَأَوْحَى إلَيْهِ مَعَانِيَهَا وَعَبَّرَ عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَخُنْ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ مُتَمَوِّلٍ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَخُنْ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كَشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ خُبْزٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَزْعِ الْبَرَكَةِ (قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةُ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْخِيَانَةُ) وَلَيْسَ مِنْ الْخِيَانَةِ مَا لَوْ تَمَيَّزَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِزِيَادَةٍ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ فَأَخَذَ شَرِيكُهُ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ حِصَّتِهِ الَّتِي أَخَذَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ رَفْعُ الْبَرَكَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ) أَيْ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُحْذَفُ تَاؤُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَدْ تُحْذَفُ هَاؤُهَا فَتَصِيرُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّصِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute