لَا الْمُجَوِّزِ لَهَا، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ سَبَبِهَا الْمُجَوِّزِ لَهَا مَعْصِيَةً.
وَفُرِضَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: ٦] الْآيَةُ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَبَقِيَّةُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ.
(يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِغُسْلٍ مَسْنُونٍ كَجُمُعَةٍ أَوْ وُضُوءٍ كَذَلِكَ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَيِّتَ يُيَمَّمُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ وَمَحَلُّ النَّصِّ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت، فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيَك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالِ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» وَخَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثَمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَك» وَاحْتَرَزَ بِالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ عَنْ الْمُتَنَجِّسِ فَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَيَجُوزُ جَعْلُ قَوْلِهِ: الْجُنُبُ بَعْدَ الْمُحْدِثِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (لِأَسْبَابٍ) جَمْعُ سَبَبٍ وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُهُ: يَعْنِي لِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: قُلْتُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي فَكَيْفَ يَصِحُّ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبُهَا مَعْصِيَةً، وَالتُّرَابُ لَيْسَ سَبَبَ التَّيَمُّمِ بَلْ فَقْدُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا التُّرَابُ آلَةٌ تُجَوِّزُهُ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ تَيَمُّمِهِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ التَّيَمُّمِ فِيهِ وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْفَقْدِ الْمُجَوِّزِ لَهُ مَعْصِيَةٌ (قَوْلُهُ: وَفُرِضَ) أَيْ شُرِعَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا) إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِذِكْرِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوِلَادَةَ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأَمَّا إلْقَاءُ بَعْضِ الْوَلَدِ فَهُوَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ فَدَخَلَ فِي الْمُحْدِثِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا تَيَمَّمَ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا تَيَمَّمَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ التَّصْرِيحُ بِكُلِّ مَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ ضَوْءٌ كَذَلِكَ) أَيْ مَسْنُونٌ وَقَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَأَنْ بَقِيَ وُضُوءُهُ وَحَضَرَتْهُ صَلَوَاتٌ، وَنَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ كَمَا قَدَّمَهُ حَجّ فِي الْغُسْلِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ بَقَائِهِ عَلَى وُضُوئِهِ وَبَقَائِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يُطْلَبْ مَعَ بَقَاءِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ، فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مَنْ فَعَلَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ فَهُوَ تَكْرَارٌ لِمَا فَعَلَهُ مُسْتَقِلًّا وَهُوَ رُخْصَةٌ طُلِبَ تَخْفِيفُهَا فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ) أَيْ بِكُلِّ يَدٍ لَهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مُرَجَّحِ النَّوَوِيِّ الْآتِي مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِضَرْبِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَلَا يُتَيَمَّمُ مَعَ الْعَجْزِ) أَيْ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ لَا عَنْ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِالْمُحْدِثِ الْأَعَمَّ، وَعَلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِي الْمُحْدِثِ، وَجَعَلَ هَذَا جَائِزًا فِي الْمَقَامِ لِمَا مَرَّ
[حاشية الرشيدي]
تَيَمُّمِ الْعَاصِي عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَيْسَتْ سَبَبَ الرُّخْصَةِ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ فَقْدُ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ
[أَسْبَابُ التَّيَمُّمِ]
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، فَهُوَ مُسْتَنِدُ الْإِجْمَاعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُنُبِ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ) أَيْ وَنُكْتَتُهُ وُرُودُهُ فِي الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute