حَتَّى يُطْلَبَ لَهُ احْتِيَاطٌ بِخُصُوصِهِ. نَعَمْ يُسَنُّ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْحِجَّةِ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُهُ لَكِنْ فِي الْأُمِّ لَا بَأْسَ بِإِفْرَادِهِ.
(وَ) صَوْمُ (أَيَّامِ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ) مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا ذَرٍّ بِصِيَامِهَا» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَصَوْمُ الثَّلَاثَةِ كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَمِنْ ثَمَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ غَيْرَ أَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَاصِلُ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ، فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسَّنَتَيْنِ، فَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ الْمَأْمُورُ بِصِيَامِهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ تَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ الْحِجَّةِ السَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ صَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَصُومَ مَعَ الثَّلَاثَةِ الثَّانِي عَشَرَ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ إنَّهُ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُسَنُّ صَوْمُ أَيَّامِ السُّودِ وَهِيَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَتَالِيَاهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ مَعَهَا السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ احْتِيَاطًا. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ الثَّالِثِ مِنْهَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، وَلَعَلَّهُ يُعَوَّضُ عَنْهُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ السُّودِ أَيْضًا لِأَنَّ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا سَوْدَاءُ، وَخُصَّتْ أَيَّامُ الْبِيضِ وَأَيَّامُ السُّودِ بِذَلِكَ لِتَعْمِيمِ لَيَالِي الْأُولَى بِالنُّورِ وَلَيَالِي الثَّانِيَةِ بِالسَّوَادِ، فَنَاسَبَ تَزْوِيدَهُ بِذَلِكَ لِإِشْرَافِهِ عَلَى الرَّحِيلِ وَشُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْأُولَى وَطَلَبًا لِكَشْفِ السَّوَادِ فِي الثَّانِيَةِ
(وَ) صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَقَوْلُهُ «صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ وَكَثِيرِينَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ صِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ كُفْرٍ لَا يُسَنُّ لَهُ صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ: أَيْ بَلْ يُحَصِّلُ أَصْلَ سُنَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ يُحَصِّلْ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ لِتَرَتُّبِهِ فِي الْخَبَرِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ. وَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ تَعَدِّيًا حَرُمَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا. وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْجُرْجَانِيِّ (يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ كَرَاهَةُ صَوْمِهَا لِمَنْ أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ) فَيُنَافِي مَا مَرَّ، إلَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّهُ ذُو وَجْهَيْنِ، أَوْ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى مَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَهَذَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِذَا تَرَكَهَا فِي شَوَّالٍ لِذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ سُنَّ قَضَاؤُهَا مِمَّا بَعْدَهُ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِصَوْمِهَا مُتَفَرِّقَةً (وَ) لَكِنْ (تَتَابُعُهَا) وَاتِّصَالُهَا بِيَوْمِ الْعِيدِ (أَفْضَلُ) مُبَادَرَةً إلَى الْعِبَادَةِ وَلِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ الْآفَاتِ وَلَوْ صَامَ فِي شَوَّالٍ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا أَوْ فِي نَحْوِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ تَطَوُّعِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ
[صَوْمُ أَيَّامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ]
(قَوْلُهُ وَشُكْرًا لِلَّهِ) أَيْ إنَّهَا تَقَعُ شُكْرًا لِلَّهِ لَا أَنَّهُ يَنْوِي بِهَا ذَلِكَ، إذْ لَنَا صَوْمٌ يُسَمَّى بِهِ الِاسْمُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ
[صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ]
(قَوْلُهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ) أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَذَلِكَ أَمَّا لَوْ صَامَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فِي بَعْضِ السِّنِينَ دُونَ بَعْضٍ فَالسَّنَةُ الَّتِي صَامَ السِّتَّ فِيهَا يَكُونُ صَوْمُهَا كَسَنَةٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَصُمْ فِيهَا تَكُونُ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِصَوْمِهَا مُتَفَرِّقَةً) أَيْ وَتَكُونُ كُلُّهَا أَدَاءً لِأَنَّ الشَّهْرَ كُلَّهُ مَحَلُّهَا
[حاشية الرشيدي]
[صَوْمُ عَاشُورَاءَ]
قَوْلُهُ: بَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّةِ الصَّوْمِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سِتَّةَ شَوَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الثَّوَابُ الْكَامِلُ، وَإِلَّا فَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَسَعُهُمْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ تَعَدِّيًا حَرُمَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا) أَيْ مَا لَمْ يَقْضِ رَمَضَانَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ صَرْفُ الزَّمَنِ لِقَضَائِهِ (قَوْلُهُ: فَيَأْتِي مَا مَرَّ) لَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ عَنْ قَوْلِهِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) هَذَا يُنَافِي النَّصَّ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْمُسَافِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute