للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْهُدْنَةِ مِنْ الْهُدُونِ وَهُوَ السُّكُونُ لِسُكُونِ الْفِتْنَةِ بِهَا، إذْ هِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ، وَشَرْعًا: مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ الْمُدَّةَ الْآتِيَةَ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً وَمُسَالَمَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُهَادَنَةً.

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَوَّلُ سُورَةِ بَرَاءَةَ «وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ، وَكَانَتْ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَمَّا خَالَطُوا الْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ أَصَالَةً، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا لُحُوقُ ضَرَرٍ لَنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (عَقْدُهَا) لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ أَوْ (لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ) كَالْهِنْدِ (يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ مُطَاعٌ بِإِقْلِيمٍ لَا يَصِلُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي نَظَائِرِهِ (وَنَائِبُهُ فِيهَا) وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ وَوُجُوبُ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا (وَ) عَقْدُهَا (لِبَلْدَةٍ) أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُمْرَانِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ فَعَلَهُ الْوَالِي بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ جَوَازَهَا مَعَ بَلْدَةٍ مُجَاوِرَةٍ لِإِقْلِيمِهِ حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً فِيهَا لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ تَعَلُّقَاتِ إقْلِيمِهِ، نَعَمْ قَوْلُهُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ عِنْدَ إمْكَانِهِ يَظْهَرُ حَمْلُهُ حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ (وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ) إذْ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى الْمُهَادَنَةِ عَامَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ مُصَالَحَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَخْ، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ قَصْدًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مَعْلُومًا مِنْ اشْتِرَاطِ الصِّيغَةِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُؤَثِّرِ بِاسْمِ الْأَثَرِ أَوْ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ (قَوْلُهُ: بِإِقْلِيمٍ لَا يَصِلُهُ) أَيْ لِبُعْدِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ) عَلَى هَذَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَقَدَهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ فِيهَا فَإِنَّ الْحَاصِلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَالِي كَمَا يَعْقِدُ لِكُفَّارِ بَلَدِهِ يَعْقِدُ لِجَمِيعِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ سَاوَى الْإِمَامَ وَنَائِبَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَشَارَ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ فِي عَقْدِهَا مِنْ وَالِي الْإِقْلِيمِ لِجَمِيعِ أَهْلِهِ خِلَافًا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ) قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِأَهْلِ إقْلِيمِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ عَقْدِهَا لَهُمْ ظُهُورُ مَصْلَحَةٍ لِغَيْرِ إقْلِيمِهِ كَالْأَمْنِ لِمَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ تَقْتَضِي فِعْلَ الْمَصْلَحَةِ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ الْوَالِي الْمَذْكُورِ لَمْ تَشْمَلْهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَرَدَّدَ) أَيْ أَمَّا حَيْثُ ظَهَرَتْ لَهُ الْمَصْلَحَةُ بِلَا تَرَدُّدٍ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ وَيَصْدُقُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْإِمَامِ اسْتِئْمَانٌ لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وَلَّاهُ فِيهِ، ثُمَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ الْهُدْنَةِ]

بَابُ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مُطَاعٌ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَعْقِدُ لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ) فِيهِ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَكَذَا الْإِشَارَةُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ) اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جَوَازِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>