مَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، وَنَحْوِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَتَطْوِيلِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْرُوعِ وَتَرْكِهِ سُنَّةً مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا عُذِرَ بِهِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَفِي إسْقَاطِهَا ابْتِدَاءً أَوْلَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَوْنُهُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُومِ بَطِيئَهَا، أَوْ مِمَّنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَكَوْنُهُ يَخْشَى الِافْتِتَانَ بِهِ لِفَرْطِ جَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرَدُ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَخْشَى هُوَ افْتِتَانًا مِمَّنْ هُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْذَارُ تَمْنَعُ الْإِثْمَ وَالْكَرَاهَةَ كَمَا مَرَّ، وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَاخْتَارَ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْ حُصُولِهَا إنْ قَصْدَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ، وَالسُّبْكِيُّ حُصُولَهَا لِمَنْ كَانَ مُلَازِمًا لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا كَلَامَ الْمَجْمُوعِ عَلَى مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَأَكْلِ بَصَلٍ أَوْ ثُومٍ وَكَوْنِ خُبْزِهِ فِي الْفُرْنِ، وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ، وَجَعْلُ حُصُولِهَا لَهُ كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ هِيَ إنَّمَا تَمْنَعُ ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ انْفِرَادِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بِغَيْرِهِ شِعَارُهَا. .
فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ تُطْلَبُ فِيهِ صِفَاتٌ بَعْضُهَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا مُسْتَحَبٌّ، كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً عِنْدَ الْمُقْتَدِي مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ: (فَصْلٌ) فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا (لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) كَعِلْمِهِ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ لِتَلَاعُبِهِ (أَوْ يَعْتَقِدُهُ) أَيْ الْبُطْلَانَ بِأَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلٍ (كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ تَقُمْ مَقَامُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ خَلْفَ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا (قَوْلُهُ: وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ) مُعْتَمَدٌ.
(فَصْلٌ) فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ) قَدْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ إمَامًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا كَالْأَصَمِّ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِانْتِقَالَاتِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَمُتَعَلِّقَاتِهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الصِّفَاتِ كَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَمَسْأَلَةِ الْأَوَانِي (قَوْلُهُ: أَوْ حَدَثِهِ) أَيْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُخْتَلِفِ فِيهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَى إلَخْ (قَوْلُهُ: ظَنًّا غَالِبًا) كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْغَالِبِ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا: أَيْ بِالْمَعْنَى الْآتِي وَهُوَ الظَّنُّ الْقَوِيُّ لَكِنْ لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِأَصْلِ الظَّنِّ، بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا مَا يَشْمَلُ أَصْلَ الظَّنِّ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ الْمَذْكُورَ غَالِبًا أَوْ كَثِيرًا إنَّمَا يَحْصُلُ أَصْلُ الظَّنِّ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
وَقَوْلُهُ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لَا يَكُونُ اعْتِقَادًا لِأَخْذِهِمْ فِي مَفْهُومِ الِاعْتِقَادِ الْجَزْمَ، فَلَوْ قَالَ قُيِّدَ بِهِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُ سم: لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِأَصْلِ الظَّنِّ: أَيْ حَيْثُ كَانَ مُسْتَنَدَ الدَّلِيلِ، بِخِلَافِ ظَنِّ مَنْشَؤُهُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ مَثَلًا الْمُعَارَضَةُ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ كَأَنْ تَوَضَّأَ إمَامُهُ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ يَغْلِبُ وُلُوغُ الْكِلَابِ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا الْتِفَاتَ لِهَذَا الظَّنِّ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَازِمُ) أَيْ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ (قَوْلُهُ: الْمُطَابِقُ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا صَحِيحًا، وَإِلَّا فَغَيْرُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَصْفٌ لِمَالٍ
[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ ومتعلقاتها]
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ تُطْلَبُ فِيهِ صِفَاتٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّ الْوَاجِبَ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ إنَّ الْوَاجِبَ حَرَّفَهُ النُّسَّاخُ مِنْ قَوْلِهِ فَمِنْ الْوَاجِبِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْإِمْدَادِ وَهِيَ كَمَا ذَكَرْت (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ) يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي قَوْلِهِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: يَعْتَقِدُهُ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ: أَيْ فَقَطْ، بَلْ الْمُرَادُ هُوَ وَالظَّنُّ الْمَذْكُورُ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، لَكِنْ يُنَافَى هَذَا الْحَمْلَ الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ يَظُنَّهُ إلَخْ فَكَانَ الْأَصْوَبُ خِلَافَ هَذَا التَّعْبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُطَابِقُ)