للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ السَّوَادَ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ، فَلَوْ زَادَ السَّوَادُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَمْيِيزَ فَتَرُدُّ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ دَوْرِهَا الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ.

قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ مُسْتَحَاضَةٌ تَدَعُ الصَّلَاةَ هَذِهِ الْمُدَّةَ إلَّا هَذِهِ.

وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِأَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَتُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لِقُوَّتِهَا رَجَاءَ اسْتِقْرَارِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَمَرَّ السَّوَادُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَرَدَّهَا الْعَادَةُ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَك أَنْ تَقُولَ قَدْ تُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ فِي أَضْعَافِ ذَلِكَ إذَا رَأَتْ صُفْرَةً ثُمَّ شُقْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا بِلَا ثَخَانَةٍ وَلَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ ثُمَّ سَوَادًا بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ سَوَادًا بِهِمَا مَعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَقَامَ كُلُّ دَمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهَا تَتْرُكُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ رَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الدَّوْرَ وَهُوَ الشَّهْرُ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ حُكْمُ الْحَيْضِ فِيهَا بِالظُّهُورِ، فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا لِأَجْلِ الْقُوَّةِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ فَقَالَ (أَوْ مُعْتَادَةٌ) غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ (بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ) وَهِيَ ذَاكِرَتُهُمَا (فَتَرُدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا) كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَنْظُرَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهَا مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لْتُصَلِّ» ، وَتُهَرَاقُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ: أَيْ تَصُبُّ، وَالدَّمَ مَنْصُوبٌ بِالتَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّ.

وَاعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَإِنَّمَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْمَعْنَى تُهَرِيقُ الدَّمَ، قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَعْدِلُ بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَهِيَ فِي مَعْنَى تُسْتَحَاضُ وَتُسْتَحَاضُ عَلَى وَزْنِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا جَاوَزَ دَمُهَا عَادَتَهَا أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا انْقَطَعَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَإِنْ عَبَرَهَا قَضَتْ مَا وَرَاءَ قَدْرِ عَادَتِهَا وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

نَسْخًا لِمَا مَضَى بِالتَّمْيِيزِ اهـ.

وَحَيْثُ عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ فَيُقَالُ الْمُرَادُ مَا لَمْ يَطْرَأْ لَهَا دَمٌ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ.

(قَوْلُهُ: ابْتِدَاءُ دَوْرِهَا) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَئِمَّةُ) أَيْ أَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأُورِدَ إلَخْ) وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا لَيْسَ لَنَا مُبْتَدَأَةٌ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ شَهْرًا إلَّا هَذِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثَةِ) أَيْ وَفِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ الثَّالِثَةُ الَّتِي هِيَ بَقِيَّةُ الْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: أَضْعَافِ ذَلِكَ) أَيْ الثَّلَاثِينَ وَهُوَ تِسْعُونَ.

[الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ]

(قَوْلُهُ: فَإِذَا خَلَّفَتْ) أَيْ تَرَكَتْهُ خَلْفَهَا بِأَنْ جَاوَزَتْهُ (قَوْلُهُ: لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ) أَيْ تَتَلَجَّمْ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ تَصُبُّ) هَذَا التَّفْسِيرُ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَهُ) أَيْ اعْتَرَضَ قَوْلَهُ وَالدَّمَ مَنْصُوبٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ) وَاَلَّذِي أَحْوَجَ الْقَائِلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ أَنَّهُ جَعَلَ تُهَرَاقُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا يَكُونُ الدَّمُ عَلَى هَذَا مَفْعُولًا بِهِ.

وَحَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَإِنْ عَدَلَ بِهِ إلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تُرِيقُ الدَّمَ مِنْ أَرَاقَ أَيْ تَصُبُّهُ (قَوْلُهُ: عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَتُسْتَحَاضُ عَلَى وَزْنِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ) أَيْ وَهُمْ عَدَلُوا إلَى وَزْنِهِ فَقَطْ فِي تُهْرَاقُ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى عَمَلِهِ الْخَاصِّ بَلْ أَبْقَوْهُ عَلَى عَمَلِهِ الْأَوَّلِ مِنْ نَصْبِ الْمَفْعُولِ بِهِ فَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>