للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ: قَدْ اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا قِرَاءَةَ الْإِمَامِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] قَالُوا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] وَهَذَا بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَأَمَّا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهَا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: إنْ كَانَ غَيْرَ قَاصِدٍ التِّلَاوَةَ أَوْ قَالَ اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ أَوْ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ بَطَلَتْ انْتَهَى.

وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا وَكَذَا إذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ الثَّنَاءَ أَوْ الذِّكْرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا، إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ، وَإِنْ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ: أَيْ بِاللَّازِمِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ: اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ انْتَهَى. وَحِينَئِذٍ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ أَطْلُبُ زَوْجَةً أَوْ وَلَدًا أَوْ مَالًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَرَأَ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ١] الْآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ أَخْبَارِ الْقُرْآنِ وَمَوَاعِظِهِ وَأَحْكَامِهِ حَيْثُ قَصَدَ بِهِ الثَّنَاءَ، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الَّذِي لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مَا كَانَ مَدْلُولُهُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِ الْمُصَلِّي سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ إلَى آخِرِهِ.

وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي نَحْوِ يَا يَحْيَى مُقَارَنَةَ قَصْدِ نَحْوِ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ مَعَ التَّفْهِيمِ لِجَمِيعِ اللَّفْظِ، إذْ عُرُوُّهُ عَنْ بَعْضِهِ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ أَجْنَبِيًّا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً، وَإِنْ كَانَ الْمُرَجَّحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْكِنَايَةِ الِاكْتِفَاءَ بِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِبَعْضِهَا.

(وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ) ، وَإِنْ لَمْ يُنْدَبَا حَيْثُ كَانَا جَائِزَيْنِ وَلَا بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ، إلَّا مَا عُلِّقَ مِنْهُ كَاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي إنْ أَرَدْت أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا فِي النَّذْرِ، وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَبَحْثُ الْإِسْنَوِيِّ إلْحَاقُ الْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ وَسَائِرِ الْقُرَبِ الْمُنَجَّزَةِ بِالنَّذْرِ، لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ، فَالتَّلَفُّظُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُ بَلْ وَلَا تَحْصُلُ بِهِ، إذْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَبِأَنَّ النَّذْرَ بِنَحْوِ لِلَّهِ مُنَاجَاةٌ لِتَضَمُّنِهِ ذِكْرًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ بِنَحْوِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْبَدَنِ، وَتُفْرِغُ فِيهَا السُّمَّ إلَى دَاخِلِهِ، وَالسُّمُّ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فَهُوَ جُزْءٌ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ، لَكِنَّ حُصُولَ النَّجَاسَةِ فِي دَاخِلِ الْبَدَنِ لَا يُبْطِلُ، وَالْحَيَّةُ تُلْقِي سُمَّهَا عَلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ، وَهُوَ نَجِسٌ وَتَنَجُّسُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ مُبْطِلٌ، هَكَذَا ذَكَرُوهُ وَاعْتَمِدْهُ. م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: لِجَمِيعِ اللَّفْظِ) وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُقَارَنَةِ لِأَوَّلِهِ إذَا قَصَدَ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانَ بِالْجَمِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ. هَذَا مِنْ الْعَالِمِ لِمَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ يُعْذَرُ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَا جَائِزَيْنِ) يُتَأَمَّلُ التَّقْيِيدُ بِالْجَوَازِ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِأَنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالذِّكْرِ الْمُحَرَّمِ مَا لَوْ اخْتَرَعَ ذِكْرًا غَيْرَ وَارِدٍ فِي مَحَلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَرْجَمَ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، كَمَا قِيلَ بِهِ فِيمَا لَوْ اخْتَرَعَ دُعَاءً بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَانْظُرْ هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ فِي مُقَابَلَةِ مَعْصِيَةٍ ارْتَكَبَهَا كَأَنْ طَلَبَ تَحْصِيلَ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَلَمَّا حَصَلَتْ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ لِذَلِكَ. وَأَقُولُ: الْأَقْرَبُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا عُلِّقَ مِنْهُ) الْأَوْلَى مِنْهُمَا: أَيْ النَّذْرُ وَالدُّعَاءُ لِيُلَاقِيَ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَسَائِرِ الْقُرَبِ الْمُنْجَزَةِ) مِنْهَا الْوَقْفُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا: أَيْ وَصَلَحَ لِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

[لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ]

(قَوْلُهُ: إلَّا مَا عَلِقَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مِنْ تَعْلِيقِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ النَّذْرَ بِنَحْوِ لِلَّهِ مُنَاجَاةٌ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ لِلَّهِ أَبْطَلَ، وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِلَفْظِ لِلَّهِ فِي نَحْوِ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ كَأَنْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ لِلَّهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْإِمْدَادِ قَالَ عَقِبَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَا لَفْظُهُ: وَقَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَذَا وَنَحْوِ عَبْدِي حُرٌّ وَلِفُلَانٍ كَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>