للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) فِي الْعَقِيقَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَهِيَ لُغَةً: الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ وِلَادَتِهِ، وَشَرْعًا: مَا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يَعُقُّ: أَيْ يَشُقُّ وَيَقْطَعُ، وَلِأَنَّ الشَّعْرَ يُحْلَقُ إذْ ذَاكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَخْبَارُ كَخَبَرِ «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ وَالنِّعْمَةِ وَنَشْرُ النَّسَبِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ كَالْأُضْحِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» وَمَعْنَى مُرْتَهِنٍ بِعَقِيقَتِهِ: قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يَعُقَّ عَنْهُ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَإِحَاطَتُهُ بِالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ثَبَتَ فِيهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا أَوْ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ إفْرَاطٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَبْحُهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا، وَلَوْ نَوَى بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَصْلٌ) فِي الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ) أَيْ عِنْدَ طَلَبِ حَلْقِ شَعْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ، وَالْمُرَادُ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ عِلَّةً لِمُقَدِّرٍ: أَيْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَا يُذْبَحُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ يَحْلِقُ إذْ ذَاكَ) أَيْ وَالشَّعْرُ لُغَةً يُسَمَّى عَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: كَخَبَرِ الْغُلَامِ إلَخْ) لَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَالِدَيْنِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَقَصَدَ حَثَّهُمْ عَلَى فِعْلِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا فَالْأُنْثَى كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِيهِ) فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ تَعَبُّدًا مَحْضًا (قَوْلُهُ: وَالنِّعْمَةُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: كَالْأُضْحِيَّةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْسُكَ) بِضَمِّ السِّينِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ) أَيْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِكَوْنِهِ مَاتَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ: وَإِحَاطَتُهُ) أَيْ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ: إفْرَاطٌ) أَيْ مُجَاوَزَةٌ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا) وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِقِيمَتِهَا يَكُونُ عَقِيقَةً، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ عَنْ الذَّكَرِ شَاةٌ.

وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي عَقِيقَةِ الذَّكَرِ بِشَاةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ ثَوَابَ الذَّبْحِ لِلْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا مَعَ كَوْنِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

ِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلَا تَظْهَرُ لَهُ مُلَائِمَةٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ جَامِعًا بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَقَّ لُغَةً مَعْنَاهُ قَطَعَ، فَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى أَسْقَطَتْهُ الْكَتَبَةُ مِنْ الشَّارِحِ بَعْدَ إثْبَاتِهِ فِيهِ مَعَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَيَكُونُ الشَّارِحُ قَدْ أَشَارَ إلَى مُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَأَشَارَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى قَطَعَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ إلَخْ، وَلِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى الشَّعْرِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ إلَخْ (قَوْلُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ جَوَابُ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ (قَوْلُهُ: وَإِحَاطَتُهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اسْتَبْعَدَ مَا قَالَهُ نَصُّهَا.

وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي ذَلِكَ، فَاللَّائِقُ بِجَلَالَةِ أَحْمَدَ وَإِحَاطَتِهِ بِالسُّنَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ انْتَهَتْ.

فَلَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي التُّحْفَةِ أَسْقَطَتْهَا الْكَتَبَةُ مِنْ الشَّرْحِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ إحَاطَتِهِ بِالسُّنَّةِ لَا تَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>