كِتَابُ الْجِزْيَةِ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَعَقِبُهَا لِلْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ مُغَيَّا بِهَا فِي الْآيَةِ الَّتِي هِيَ كَأَخْذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَغَيْرِهِمْ.
الْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] إذْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ عِصْمَتِهِمْ مِنَّا وَسُكْنَاهُمْ فِي دَارِنَا فَهِيَ إذْلَالٌ لَهُمْ لِتَحَمُّلِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا سِيَّمَا إنْ خَالَطُوا أَهْلَهُ وَعَرَفُوا مَحَاسِنَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَشْرُوعِيَّتُهَا مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ شُبْهَةٌ بِحَالٍ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهِ مُتَلَقِّيًا لَهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ مُسْتَمَدٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعْمَلُ مِنْهَا إلَّا بِمَا يُوَافِقُ مَا يَرَاهُ، إذْ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ.
وَلَهَا أَرْكَانٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمَكَانٌ وَصِيغَةٌ وَبَدَأَ بِهَا اهْتِمَامًا بِهَا فَقَالَ (صُورَةُ عَقْدِهَا) مَعَ الذُّكُورِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أُقِرُّكُمْ) أَوْ أَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَاسْتُحْسِنَ عَلَى الْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْحَالُ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ، وَبِأَنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَأَشْهَدْ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ أَنْ أُؤَدِّيَ الْمَالَ أَوْ أُحْضِرَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ ضَمَانًا وَلَا كَفَالَةً، وَفِي الْإِقْرَارِ أَنْ أُقِرَّ بِكَذَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ نَظَرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِحَقْنِ الدَّمِ اقْتَضَى عَدَمَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِهِ لِلْوَعْدِ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ) غَيْرِ الْحِجَازِ لَكِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ أَصْلِهِ قَدْ لَا يُشْتَرَطُ فَقَدْ نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) أَيْ تُعْطُوا (جِزْيَةً) فِي كُلِّ حَوْلٍ، نَعَمْ يَتَّجِهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ: تُطْلَقُ) أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ) خَبَرُ هِيَ (قَوْلُهُ: قَوْله تَعَالَى) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ إلَخْ أَوْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الْأَصْلُ الْوَاقِعُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ هِيَ، وَقَوْلُهُ كَأَخْذِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ هِيَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا إلَخْ) أَيْ كَوْنُهَا مُغَيَّاةً بِنُزُولِ عِيسَى (قَوْلُهُ مَعَ الذُّكُورِ) وَسَيَأْتِي مَعَ غَيْرِهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَاسْتُحْسِنَ عَلَى الْأَوَّلِ) قَدْ يُرَجَّحُ صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى إفَادَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِهَا مَعَ فَهْمِ مَا بِالْمُحَرَّرِ بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِعُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِقْرَارِ) أَيْ وَلَا مَا فِي الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: عَلَى إخْرَاجِهِ) أَيْ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) بَابُهُ نَصَرَ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَوْلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ،
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْجِزْيَةِ]
(قَوْلُهُ: وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ) أَيْ فَهُوَ كَالنَّصِّ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ (قَوْلُهُ: اهْتِمَامًا بِهَا) قَدْ يُقَالُ وَلِمَ اهْتَمَّ بِهَا. وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَلِأَهَمِّيَّتِهَا بَدَأَ بِهَا (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ إلَخْ) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ أَرَادَ إفَادَةَ ذَلِكَ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لِلْحَالِ) أَيْ كَالِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ) الْبَاءُ فِيهِ سَبَبِيَّةٌ فَهُوَ عَطْفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute