كِتَابُ الْوَقْفِ هُوَ لُغَةً: الْحَبْسُ، وَيُرَادِفُهُ التَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ، وَأَوْقَفَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَأَحْبَسَ أَفْصَحُ مِنْ حَبَسَ عَلَى مَا نُقِلَ، لَكِنَّ حَبَسَ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَشَرْعًا: حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وَلَمَّا سَمِعَهَا أَبُو طَلْحَةَ بَادَرَ إلَى وَقْفِ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ بَيْرُحَا حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَقَوْلُهُ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: ١١٥] وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ أَيْ مُسْلِمٌ يَدْعُو لَهُ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: التَّحْبِيسُ) أَيْ وَالِاحْتِبَاسُ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لُغَةً رَدِيئَةً) عِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ لُغَةُ تَمِيمٍ (قَوْلُهُ أَفْصَحُ مِنْ حَبَّسَ) أَيْ بِالتَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ، وَلَوْ أَسْقَطَهُ لِيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ حَجّ (قَوْلُهُ: بَيْرُحَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ كَثِيرًا مَا تَخْتَلِطُ أَلْفَاظَ الْمُحَدِّثِينَ فِيهَا فَيَقُولُونَ بَيْرُحَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهِمَا وَالْمَدِّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ، وَهِيَ اسْمُ مَالٍ وَمَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ: إنَّهَا فَيُعْلَى مِنْ الْبَرَاحِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الظَّاهِرَةُ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» فَلَهُمَا رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ) زَادَ السُّيُوطِيّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورًا وَنَظَمَهَا فَقَالَ:
إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي ... عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ غَيْرُ عَشْرِ
عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلِ ... وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي
وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرِ ... وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ
وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي ... إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحِلِّ ذِكْرِ
وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ ... فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثَ بِحَصْرِ
وَلَعَلَّ قَوْلَهُ وَبَيْتٌ: الْبَيْتُ هُوَ التَّاسِعُ فَلَا يُقَالُ هِيَ أَحَدَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ: أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجِّ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ نَازَعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي تَفْضِيلِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ فَسَّرُوا الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ بِهِ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَعَنْهُ عَنْ الْمُحِبِّ السَّنْكَلُونِيِّ أَنَّ النَّفْعَ بِالتَّعْلِيمِ النَّاجِزِ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّصْنِيفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَجَّلَةِ، ثُمَّ عَضَّدَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ «أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّصْنِيفِ اهـ.
وَفِي هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ، بَلْ التَّعْلِيمُ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ بِالتَّعْلِيمِ كَانَ التَّصْنِيفُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: يَدْعُو لَهُ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «إذَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْحَبْسُ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْحَبْسِ فِي اللُّغَةِ