[كِتَابُ الْعَارِيَّةُ]
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِلْعَقْدِ الْمُتَضَمِّنِ لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِيَرُدَّهُ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْ التَّعَاوُرِ: أَيْ التَّنَاوُبِ لَا مِنْ الْعَارِ لِأَنَّهُ يَائِيٌّ وَهِيَ وَاوِيَّةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهُوَ مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ «وَاسْتِعَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَدِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهِيَ سُنَّةٌ وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً كَإِعَارَةِ نَحْوِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ مُؤْذٍ كَحَرٍّ وَمُصْحَفٍ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِلْكِفَايَةِ، أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا لُغَةٌ) يُشْعِرُ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ بِقِلَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ: وَلِلْعَقْدِ) أَيْ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَعَدَمِ الضَّمَانِ وَهَذَا مَوْرِدُ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ التَّعَاوُرِ) أَيْ وَمَأْخُوذَةٌ أَيْضًا مِنْ التَّعَاوُرِ فَمَأْخَذُهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَاوِيَّةٌ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُدْخِلُونَ بَنَاتِ الْيَاءِ عَلَى بَنَاتِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ مَدِّ الْبَاعِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَائِيٌّ وَالْبَاعَ وَاوِيٌّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ) فَسَّرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِالزَّكَاةِ، وَحَكَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ (قَوْلُهُ: وَدِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ) أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ وَإِلَّا فَالْمَأْخُوذَةُ مِنْ صَفْوَانَ مِائَةُ دِرْعٍ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً) أَيْ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا قَدْ تُبَاحُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَقَدْ تُصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ بِإِعَارَةِ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِالْمُعَارِ بِوَجْهٍ (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ مُؤْذٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الْأَذَى، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِأَذًى لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً أَوْ يُبِيحُ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الأذرعي فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ إلَخْ نَصُّهَا: حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُصْحَفٌ وَاحِدٌ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّمُ إلَّا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُعَلِّمٌ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّعْلِيمُ إلَّا بِأُجْرَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْوُضُوءِ وَمَعَ غَيْرِهِ ثَوْبٌ أَوْ مَاءٌ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَلَدِ اهـ.
وَحَمَلَ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ؛ لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ سَقَطَ مِنْ نُسَّاخِ الشَّارِحِ؛ لِانْتِقَالِ النَّظَرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى الِانْتِفَاعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ) الَّذِي فِي الْعُبَابِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَكَذَلِكَ الْكِفَايَةُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهَا غَيْرُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ الثَّوْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute