للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إعَارَةِ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ وَكَإِعَارَةِ مَا كَتَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِيهِ سَمَاعُ غَيْرِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ لِيَنْسَخَهُ مِنْهُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَتَحْرُمُ كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَتُكْرَهُ كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ، وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مُعِيرٌ، وَمُسْتَعِيرٌ، وَمُعَارٌ، وَصِيغَةٌ.

(شَرْطُ الْمُعِيرِ) الِاخْتِيَارُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكْرَهٍ، وَ (صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنَافِعِ فَلَا يَصِحُّ إعَارَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ إعَارَةُ السَّفِيهِ لِبَدَنِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ مَقْصُودًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَالِهِ، وَلَا حَاجَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى اسْتِثْنَائِهِ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ فَلَا عَارِيَّةَ، وَكَذَا لِلْمُفْلِسِ إعَارَةُ عَيْنٍ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْمُفْلِسِ فِيمَا يَظْهَرُ.

وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ اسْتِعَارَةُ مَحْجُورٍ وَلَوْ سَفِيهًا وَلَا اسْتِعَارَةُ وَلِيِّهِ لَهُ إلَّا إنْ انْتَفَى الضَّمَانُ كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ نَحْوِ مُسْتَأْجِرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَتَعْيِينُهُ، فَلَوْ فَرَشَ بِسَاطَهُ لِمَنْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَارِيَّةً بَلْ مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ (وَمِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ لَمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

حَجّ الْوُجُوبَ عَلَى مَا إذَا أَعَارَ ذَلِكَ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ) لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ اسْتِعَارَتِهِ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِيدَاعُ إذَا تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ وَإِنْ جَازَ لِلْمَالِكِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إلَى التَّلَفِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الْمُنَافَاةَ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِيَنْسَخَهُ) أَيْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ) وَكَالصَّغِيرَةِ الْقَبِيحَةُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ مَعَ فَسَادِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْعَارِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ لَهُ بِإِعَارَةِ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) لِيَخْدُمَهُ اهـ حَجّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا بِهِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إعَارَةٍ وَاجِبَةٍ فَتَصِحُّ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ فَلَا عَارِيَّةَ) قَدْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ رُكِّبَ مُنْقَطِعًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَارِيَّةِ كَوْنُ الْمُعَارِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، بَلْ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ ثَابِتٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُعِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ سَأَلَ شَخْصٌ صَاحِبَ الدَّابَّةِ فِي حَمْلِ مَتَاعٍ لَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا كَانَ إعَارَةً لَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا السَّائِلُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: السَّفِيهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ حُرًّا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِلْمُفْلِسِ إعَارَةُ عَيْنٍ إلَخْ) هَلَّا قِيلَ بِالِامْتِنَاعِ مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا قَدْ تَتْلَفُ فَتَفُوتُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى السَّيِّدِ وَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَكَانَ وَجِيهًا (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَفِيهًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، أَمَّا الْمُفْلِسُ فَتَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ تَلَفًا مُضَمَّنًا لَا يُزَاحِمُ الْمُعِيرُ الْغُرَمَاءَ بِبَدَلِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ انْتَفَى الضَّمَانُ) أَيْ أَوْ لِضَرُورَةٍ كَبَرْدٍ مُهْلِكٍ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَوْلُهُ بَلْ مُجَرَّدُ إبَاحَةٍ، وَلَوْ أَرْسَلَ صَبِيًّا لِيَسْتَعِيرَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ هُوَ وَلَا مُرْسِلُهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَنَظَرَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ، وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الْإِعَارَةُ مِمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَسُولٌ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ: أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَسُولٌ اهـ حَجّ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ إلَخْ، أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ: أَيْ فَيَضْمَنُ فِيهِ إلَّا فِي التَّلَفِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِالتَّلَفِ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعْمَالِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ) أَمَّا الَّذِي لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْأُجْرَةِ

(قَوْلُهُ: فَلَا عَارِيَّةَ) فِيهِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اغْسِلْ ثَوْبِي كَانَ اسْتِعَارَةً لِبَدَنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>