فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (أَقَلُّ الْقَبْرِ) الْمُحَصِّلِ لِلْوَاجِبِ (حُفْرَةٌ تَمْنَعُ) بَعْدَ رَدْمِهَا (الرَّائِحَةَ) أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ (وَ) تَمْنَعُ (السَّبُعَ) عَنْ نَبْشِهَا لِأَكْلِ الْمَيِّتِ، إذْ حِكْمَةُ الدَّفْنِ صَوْنُهُ عَنْ انْتِهَاكِ جِسْمِهِ وَانْتِشَارِ رِيحِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّأَذِّي بِهَا وَاسْتِقْذَارِ جِيفَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُفْرَةٍ تَمْنَعُ ذَيْنَك.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ، وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا الْوَحْشَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا.
قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ ضَابِطَ الدَّفْنِ الشَّرْعِيِّ مَا مَرَّ، فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ كَفَى، وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ أَكَانَ فَسْقِيَّةً
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ الْمَيِّتُ كَالتَّعْزِيَةِ (قَوْلُهُ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا) أَيْ الرَّائِحَةِ وَالسَّبُعِ، (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَكْفِي، وَإِنْ فُرِضَ مَنْعُهَا الرَّائِحَةَ، وَكَانَ صُورَةُ وَضْعِهَا أَنَّهَا مَحْفُورَةٌ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ بِنَائِهَا، وَأَوْلَى مِنْهَا بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ مَا لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: الْمَعْهُودِ شَرْعًا) بَلْ هِيَ عَلَى صُورَةِ الْبُيُوتِ الْمَبْنِيَّةِ تَحْتَ الْأَرْضِ فَهِيَ لَا تَتَقَاعَدُ عَنْ الْمَغَارَاتِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَهِيَ لَا تَكْفِي فِي الدَّفْنِ.
وَقَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ، عِبَارَةُ حَجّ: وَقَدْ قَطَعَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحُرْمَةِ الدَّفْنِ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ ضَابِطَ الدَّفْنِ الشَّرْعِيِّ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَنْعِ الرَّائِحَةِ وَالسَّبُعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحَلٍّ لَا تَصِلُ إلَيْهِ السِّبَاعُ أَصْلًا وَلَا يَدْخُلُهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ، بَلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ أَصْلًا كَأَنْ جَفَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ فَسْقِيَّةً)
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالدَّفْنِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ تَرْجِيعِ الضَّمِيرِ إلَى الْمَيِّتِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَيِّتِ أَعَمُّ مِنْ الدَّفْنِ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَنِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْفَصْلِ (قَوْلُهُ الْمُحَصَّلُ) بِالرَّفْعِ أَوْ بِالْجَرِّ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ ضَابِطَ الدَّفْنِ الشَّرْعِيِّ مَا مَرَّ) مِنْ جُمْلَةِ مَا مَرَّ كَوْنُهُ حُفْرَةً، فَلَا تَكْفِي الْفَسَاقِي الَّتِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ حُفْرَةٌ إلَخْ، وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمَلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute