للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَسُنَ إعْدَادِهِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ نَزَعَ الثِّيَابَ الْمُلَطَّخَةَ بِالدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ وَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ مَعَ أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَهَذَا أَوْلَى انْتَهَى.

وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ، إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُورِثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَقَالَ (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ) " لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ " رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، الْأَوَّلَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَالثَّانِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَيِّتِ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ لِأَنَّ مَا دُونَهُ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ، هَذَا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمْلُ بَيْنَهُمَا (أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ) أَيْ الْعَمُودَيْنِ (عَلَى عَاتِقِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْعُنُقِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ (وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا وَيَحْمِلَ) الْخَشَبَتَيْنِ (الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ اثْنَانِ وَلَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا كَانَ وَجْهُهُ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَإِنْ وَضَعَ الْمَيِّتَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ عَنْ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَأَدَّى إلَى ارْتِفَاعِ مُؤَخِّرَةِ النَّعْشِ وَتَنَكُّسِ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْسِهِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ وَيَأْخُذُ اثْنَانِ بِالْمُؤَخَّرَتَيْنِ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، فَحَامِلُوهُ عِنْدَ فَقَدْ الْعَجْزِ ثَلَاثَةٌ وَمَعَ وُجُودِهِ خَمْسَةٌ، فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ.

ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ فَقَالَ (وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ (وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ) يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَامِلُونَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجُهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ) هُوَ قَوْلُهُ قَضِيَّتُهُ بِنَاءُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ التَّكْفِينِ فِيمَا أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ إعْدَادِهِ كَفِّنُونِي فِي هَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

أَمَّا مَا أَعَدَّهُ بِلَا لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ التَّكْفِينِ فِيهِ كَأَنْ اسْتَحْسَنَ لِنَفْسِهِ ثَوْبًا أَوْ ادَّخَرَهُ وَدَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ كَفَنًا لَهُ فَلَا يَجِبُ التَّكْفِينُ فِيهِ.

نَعَمْ الْأَوْلَى ذَلِكَ كَمَا فِي ثِيَابِ الشَّهِيدِ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى بَهْجَةٍ بَعْدُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: قَدْ يُوَجَّهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ ادِّخَارَهُ بِقَصْدِ هَذَا الْغَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْفِينِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ فَعَلَهُ) وَتَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ فِتْنَةٌ أَيْ مِنْهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ حَمْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أَمَرَ بِحَمْلِهِ كَذَلِكَ فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ لَا دَنَاءَةَ فِيهِ إلَخْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَفْعَلُ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مُشَرِّعًا بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُذَكَّرٌ) هَذَا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا تَعَدَّدَ فِي الْإِنْسَانِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْكَفَنِ الَّذِي أَعَدَّهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَنِ إذَا كَانَ مِنْ حِلٍّ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ، وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ الْإِطْلَاقِ فَلْيُرَاجَعْ.

[كَيْفِيَّةِ حَمْلَ الْمَيِّتِ]

(قَوْلُهُ: لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) أَيْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ كَحَمْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>