يُقْطَعُ بِكَذِبِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ بِالْأَوَّلِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ إفْتَاءَهُ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ إذْ طُرُقُ التَّغْيِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرَةٌ، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ أَنَّا نَنْظُرُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الرَّغَبَاتُ حَالَةَ الْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَسَاهُ يَتَجَدَّدُ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ إجَارَةِ وَقْفٍ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهَا دُونَهَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ آخِرَ الدَّعَاوَى، وَأَفْتَى الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ وَقْفًا بِشَرْطٍ وَحَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِهِ وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةِ رَاغِبٍ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ بِأَنَّ هَذَا إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَا مَعْنَى لَهُ، كَيْفَ وَالْمَوْتُ أَوْ الزِّيَادَةُ قَدْ يُوجَدَانِ وَقَدْ لَا فَلِمَنْ رَفَعَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَذْهَبِهِ انْتَهَى.
وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ فِي الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
كِتَابُ الْهِبَةِ مِنْ هَبَّ: مَرَّ لِمُرُورِهَا مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ اسْتَيْقَظَ لِتَيَقُّظِ فَاعِلِهَا لِلْإِحْسَانِ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا بَلْ نَدْبِهَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا الْآتِي قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَوَرَدَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» أَيْ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَقَعُ فِي النَّفْسِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ) أَيْ وَمَعَ مُرَاعَاةِ كَوْنِ الْأُجْرَةِ مُعَجَّلَةً أَوْ مُقَسَّطَةً عَلَى الشُّهُورِ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَحْكُمْ بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ فَيَرُدُّ النَّاظِرُ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَبَدَلُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ صَرَفَهُ فِي غَيْرِ مَصَالِحِ الْوَقْفِ وَمِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِهِ وَلَوْ بِإِيجَارِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً حَيْثُ تَعَيَّنَتْ لِتَوْفِيَةِ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ وَالْكَلَامُ كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَفْسُقْ بِتَعَدِّيهِ بِالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِجَارَةُ ثَانِيًا وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِانْعِزَالِهِ.
(قَوْلُهُ: أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ) أَيْ لِأَمْرٍ عَرَضِيٍّ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْمُمْتَنِعِ فِيهَا ذَلِكَ وَبِلَا عِوَضٍ نَحْوَ الْبَيْعِ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ) مُعْتَمَدٌ.
كِتَابُ الْهِبَةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ هَبَّ) أَيْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَبَّ إلَخْ (وَقَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ) أَيْ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفُهَا شَرْحُ مَنْهَجٍ.
وَالْفِرْسِنُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَبِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ) ، وَعَلَيْهِ فَالْبَاءُ مَضْمُومَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَكُمْ يُحَابِي بَعْضًا (قَوْلُهُ: تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ) جَمْعُ ضَغِينَةٍ وَهِيَ الْحِقْدُ، يُقَالُ فِي فِعْلِهِ ضَغِنَ كَطَرِبَ انْتَهَى مُخْتَارٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْهِبَةِ]
ِ (قَوْلُهُ: بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَحَبَّةِ) أَيْ: وَيَكُونُ مَجْزُومًا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ: أَيْ وَيَكُونُ أَمْرًا ثَانِيًا لِلتَّأْكِيدِ هَكَذَا ظَهَرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ أَنَّهُ