للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ دُخُولِهِ أَيْ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَبِرًّا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

يُقَالُ مَكَّةَ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ، وَلَهَا نَحْوُ ثَلَاثِينَ اسْمًا وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرُ أَسْمَاءً مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى وَمَكَّةُ أَفْضَلُ الْأَرْضِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّزَاعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ الْمُشَرَّفَةُ ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ كَمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِيضَاحِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعَ مَحْذُورٍ مِنْهُ بِهَا (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلُ الْجَائِي (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَلَوْ بِعُمْرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَظَاهِرُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحِ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ: يَعْنِي مَبْنِيَّةٍ بِهَا، إذْ الطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحَلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى وَأَمَّا الْجَائِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِيِّ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ لَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ: وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَجَ إلَيْهَا قَصْدًا كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ بِذِي طُوًى بِأَنَّ حِكْمَةَ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَحِكْمَةَ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ (وَ) أَنْ (يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى، وَالثَّنِيَّةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْن الْجَبَلَيْنِ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ وَفِي الدُّخُولِ مِمَّا مَرَّ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقٍ وَالْإِيَابُ مِنْ أُخْرَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَغَيْرِهِ، وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْعُلْيَا مَحَلُّ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ الدُّخُولُ مِنْهَا أَبْلَغُ فِي تَحْقِيقِ اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ، وَلِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْهَا يَكُونُ مُوَاجِهًا لِبَابِ الْكَعْبَةِ، وَجِهَتُهُ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّةُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ]

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ)

(قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنَى شَيْبَةَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) سَكَتَ عَنْ بَاقِي مَكَّةَ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْفَضْلِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ فَارَقَهَا وَقَعَ مِنْهُ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا، بَلْ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قِيلَ بِتَضَاعُفِ السَّيِّئَةِ فِيهَا وَهُوَ مَرْجُوحٌ، لَكِنَّا وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالْمُضَاعَفَةِ فَمُفَارَقَتِهَا فِيهِ صَوْنٌ لَهَا عَنْ انْتِهَاكِهَا بِالْمَعَاصِي مَعَ شَرَفِهَا (قَوْلُهُ دَاخِلُهَا) أَيْ مَرِيدُ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا) أَيْ لِحَلَالٍ أَوْ مُحَرَّمٍ (قَوْلُهُ: لَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ) أَيْ مِنْ ذِي طَوَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>