أَوْ بَهِيمَةُ الْبَائِعِ فَكَالْآفَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَبَهِيمَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ إتْلَافَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَآفَةٌ أَوْ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ بِخِلَافِ إتْلَافِ بَهِيمَةِ الْمُشْتَرِي فَنَزَّلَ بِالنَّهَارِ مَنْزِلَةَ إتْلَافِ الْبَائِعِ لِتَفْرِيطِهِ بِخِلَافِهِ لَيْلًا.
لَا يُقَالُ: إتْلَافُهَا لَيْلًا إمَّا بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قَبْضًا أَوْ لَا فَكَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ بِتَقْصِيرِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إتْلَافُهَا صَالِحًا لِلْقَبْضِ خُيِّرَ، فَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أَوْ فَسَخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْبَدَلِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: إنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا وَإِلَّا فَإِتْلَافُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْغَرَرِ وَإِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ كَانَتْ مَعَ غَيْرِهِ فَالْإِتْلَافُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ) (إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ) الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ لِلْمَبِيعِ فِي غَيْرِ عَقْدِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِانْتِفَاءِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ (لَا يَفْسَخُ) الْبَيْعَ لِقِيَامِ بَدَلِ الْمَبِيعِ مَقَامَهُ (بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) فَوْرًا عَلَى أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيُغَرِّمَ الْأَجْنَبِيَّ) الْبَدَلَ (أَوْ يَفْسَخَ فَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيُّ) الْبَدَلَ.
أَمَّا إتْلَافُهُ لَهُ بِحَقٍّ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمُشْتَرِي أَوْ وَهُوَ حَرْبِيٌّ فَكَالْآفَةِ.
وَأَمَّا إتْلَافُهُ لِلرِّبَوِيِّ فَيُفْسَخُ بِهِ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّقَابُضِ وَالْبَدَلُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ.
وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ أَجْنَبِيٌّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَمْ يُخَيَّرْ الْمُسْتَأْجِرُ كَمَا هُنَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا الْمَالُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَانِي فَتَعَدَّى الْعَقْدُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى بَدَلِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مُتْلِفِهَا فَلَمْ يَتَعَدَّ الْعَقْدُ مِنْهَا إلَى بَدَلِهَا، وَأَيْضًا الْمَنَافِعُ لَا وُجُودَ لَهَا بِنَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْغَاصِبُ فَقَدْ تَلِفَتْ بِنَفْسِهَا فَالْحُكْمُ كَالتَّلَفِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ فَإِنَّمَا أَوْجَدَ مَا يَخُصُّهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجِدْ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ، فَفَرْقٌ بَيْنَ مَوْجُودٍ أُتْلِفَ وَبَيْنَ مَعْدُومٍ لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ لَكِنَّ عَيْنَ وُجُودِهِ عَيْنُ تَلَفِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ
(وَلَوْ) (تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (فَرَضِيَهُ) الْمُشْتَرِي بِأَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا وَلَا أَرْشَ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْفَسْخِ، وَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا بِغَصْبِ الْمَبِيعِ وَإِبَاقِهِ وَجَحْدِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ (وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كُلِّ ذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: فَكَالْآفَةِ) أَيْ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إنَّ مَحِلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَحِلُّ التَّخْيِيرِ بِإِتْلَافِ دَابَّةِ الْمُشْتَرِي لَيْلًا (قَوْلُهُ: إنَّهُ صَحِيحٌ) أَيْ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ حَجّ.
وَعَلَيْهِ فَيَتَّضِحُ قَوْلُهُ أَمَّا إتْلَافُهُ لَهُ بِحَقٍّ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) أَيْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: مَقَامَهُ) مُبْدَلٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ التَّقَابُضِ (قَوْلُهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إلَخْ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِالْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ نَفْسِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ رَجَعَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا وَلَا يَخْتَصُّ انْفِسَاخُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِالْغَصْبِ بِمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ غَصْبُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَغَصْبِهِ قَبْلَهُ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ لَيْسَ قَبْضًا حَقِيقِيًّا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا أَوْجَدَ مَا يَخُصُّهُ) وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ أَجَازَ) أَيْ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَوْرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا) وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ: وَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: الْمُلْتَزَمِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ أَخْذِهِ مَفْهُومَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَانِي) يَعْنِي جِنْسَ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مُتْلِفِهَا) يَعْنِي جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهِيَ مَالٌ لَا مَنْفَعَةٌ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ فَقَامَ مَقَامَهُ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ الْعَقْدُ إلَيْهِ،
[تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ] .