للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ السِّيَرِ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا هُنَا أَصَالَةً الْجِهَادُ الْمُتَلَقَّى تَفْصِيلُهُ مِنْ سِيرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ، وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ شَهِيرَةٌ (كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُمْتَنِعًا؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْأَمْرِ هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إذَا ابْتَدَأَهُمْ الْكُفَّارُ بِهِ، ثُمَّ أَبَاحَ الِابْتِدَاءَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ أَمَرَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] ، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ، وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا (فَرْضَ كِفَايَةٍ) لَا عَيْنٍ لَكِنْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى فَاضَلَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى بِقَوْلِهِ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: ٩٥] الْآيَةَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ وَسِتٌّ وَخَمْسُونَ سَرِيَّةً، قَالُوا قَاتَلَ فِي تِسْعٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ وَهِيَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْمُرَيْسِيعُ وَالْخَنْدَقُ وَقُرَيْظَةُ وَخَيْبَرُ وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَحُنَينٌ وَالطَّائِفُ اهـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِنَهْيِهِ.

(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْرُوفَةَ الْآنَ لَنَا بَلْ الْمُرَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَانُوا عَاهَدُوهُمْ عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ فِيهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٢] شَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَوَّالٍ وَقِيلَ هِيَ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَرَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَعَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ؛ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] الَّتِي أُبِيحَ لِلنَّاكِثَيْنِ أَنْ يَسِيحُوا فِيهَا، وَقِيلَ رَجَبٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَهَذَا مُخِلٌّ بِالنَّظَرِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ لِلنَّاكِثَيْنِ حَاصِلُهَا كَمَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْضًا أَنَّهُمْ عَاهَدُوا مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَنَكَثُوا إلَّا نَاسًا مِنْهُمْ بَنِي حَمْزَةَ وَبَنِي كِنَانَةَ فَأَمَرَهُمْ بِنَبْذِ الْعَهْدِ إلَى النَّاكِثِينَ وَأَمْهَلَ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَسِيرُوا أَيْنَ شَاءُوا فَقَالَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ إلَخْ (قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٣٦] أَيْ وَبِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْلُهُ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] (قَوْلُهُ: لَكِنْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ) أَيْ فِيمَا بَعْدُ مِنْ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ لَمْ يَدْخُلُوا بَلْدَةً لَنَا وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ، وَلَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ع: قَوْلُهُ وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَخْ، اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْحَالَ الثَّانِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى فَاضَلَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَالْقَاتِلُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقَاصِدَ الْجِهَادِ، وَلَيْسَ الْقَتِيلُ مُثَابًا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ بَلْ عَلَى التَّعَرُّضِ لَهُ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ.

وَقَدْ اُعْتُرِضَ كَلَامُهُ بِحَدِيثِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَخْ وَلَمْ يَقُلْ أُغْلَبُ، وَبِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ حَرِيصًا عَلَى إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَقَدْ تَلَبَّسَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ السِّيَرِ]

ِ (قَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِذْنٍ أَوْ بِنَهْيِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ ثُمَّ بَعْدَهَا أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ مُطْلَقًا إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي نُسَخٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>