للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ (وَقِيلَ) فَرْضُ (عَيْنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] وَالْقَاعِدُونَ فِي الْآيَةِ كَانُوا حُرَّاسًا، وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَعِيدَ لِمَنْ عَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَيُّنِ الْإِجَابَةِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْدَ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ

(وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ (حَالَانِ) : (أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ) أَيْ كَوْنُهُمْ (بِبِلَادِهِمْ) مُسْتَقِرِّينَ فِيهَا غَيْرَ قَاصِدِينَ شَيْئًا (فَ) الْجِهَادُ حِينَئِذٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَيَحْصُلُ إمَّا بِتَشْحِينِ الثُّغُورِ وَهِيَ مَحَالُّ الْخَوْفِ الَّتِي تَلِي بِلَادَهُمْ بِمُكَافِئِينَ لَهُمْ لَوْ قَصَدُوهَا مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَتَقْلِيدِ ذَلِكَ لِأُمَرَائِنَا الْمُؤْتَمَنِينَ الْمَشْهُورِينَ بِالشَّجَاعَةِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِشَرْطِهِ دَارَهُمْ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الثُّغُورَ إذَا شُحِنَتْ كَمَا ذُكِرَ كَانَ فِي ذَلِكَ إخْمَادٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَإِظْهَارٌ لِقَهْرِهِمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الظَّفَرِ بِشَيْءٍ مِنَّا، وَأَقَلُّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَإِلَّا وَجَبَ وَشَرْطُهُ كَالْمَرَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ بِنَا ضَعْفٌ أَوْ نَحْوُهُ كَرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ، وَإِلَّا أُخِّرَ حِينَئِذٍ، وَتُنْدَبُ الْبَدَاءَةَ بِقِتَالِ مَنْ يَلِينَا مَا لَمْ يَكُنِ الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَكْثَرَ، فَتَجِبُ الْبَدَاءَةَ بِهِمْ وَأَنْ يُكَثِّرَهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَيُثَابُ عَلَى الْكُلِّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَحُكْمُ فَرْضِهَا الَّذِي هُوَ مُهِمٌّ بِقَصْدِ حُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ لِفَاعِلِهِ أَنَّهُ (إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ) وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ كَصِبْيَانٍ وَإِنَاثٍ وَمَجَانِينَ (سَقَطَ الْحَرَجُ) عَنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَ (عَنْ الْبَاقِينَ) رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ، نَعَمْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَفْهَمَ السُّقُوطُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِهِ الْكُلَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ كُلُّهُمْ وَإِنْ جَهِلُوا: أَيْ وَقَدْ قَصَّرُوا فِي جَهْلِهِمْ بِهِ

، وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مُبْهَمًا لِكَثْرَتِهَا وَخَفَائِهَا ذَكَرَ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَبْوَابِهَا، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْهَا جُمْلَةً أُخْرَى هُنَا فَقَالَ (وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ فِي الدِّينِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ، وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَالنُّبُوَّاتِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ (وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِعَمَلِ الْجِهَادِ حَتَّى أُصِيبَ، ثُمَّ بَدَا لِي رَدٌّ صَحِيحٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ: " فَضْلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

(قَوْلُهُ: وَالنُّصْحُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْمُؤْتَمَنِينَ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ) ظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا إشْحَانُ الثُّغُورِ، وَإِمَّا دُخُولُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.

قَالَ م ر: وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. لَكِنَّ شَيْخَنَا الشِّهَابَ الْبُرُلُّسِيَّ رَدَّ ذَلِكَ، وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ أَقَامَ فِيهِ الْبَرَاهِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ وَعَرَضَهُ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ بِشَرْطِهِ) لَعَلَّهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَتَقْلِيدُ ذَلِكَ لِأُمَرَائِنَا الْمُؤْتَمَنِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أُخِّرَ) أَيْ وُجُوبًا.

(قَوْلُهُ: وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمُشْكِلَ الْأَمْرُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثُّغُورَ إذَا شُحِنَتْ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ التُّحْفَةِ بِمَا لَزِمَ عَلَيْهِ عَدَمُ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ عِبَارَتِهَا وَنَصِّهَا عَقِبَ قَوْلِهِ وَإِمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِشَرْطِهِ دَارَهُمْ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ وَأَقَلُّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَصَرِيحُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ وَحْدَهُ، وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ قِتَالِهِمْ عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا. وَيُرَدُّ بِأَنَّ الثُّغُورَ إذَا شُحِنَتْ إلَخْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّهَابَ بْنَ قَاسِمٍ نَقَلَ أَنَّ شَيْخَهُ الشِّهَابَ الْبُرُلُّسِيَّ صَنَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفًا حَافِلًا بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ الشَّحْنَ الْمَذْكُورَ لَا يُغْنِي عَنْ الدُّخُولِ إلَى دَارِهِمْ، وَأَنَّهُ عَرَضَهُ عَلَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ الْمَتْنُ مِنْ مَزِيَّةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِتَضَمُّنِهِ سُقُوطَ الْحَرَجِ عَنْ الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ السُّقُوطَ) أَيْ عَنْ الْبَاقِينَ

(قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>