للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِتَنْدَفِعَ الشُّبُهَاتُ وَتَصْفُوَ الِاعْتِقَادَاتُ عَنْ تَمْوِيهَاتِ الْمُبْتَدَعِينَ وَمُعْضِلَاتِ الْمُلْحِدِينَ، وَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْقَانِ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْحُكْمِيَّاتِ وَالْإِلَهِيَّاتِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ: لَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ ثَارَتْ الْبِدَعُ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَتُحَلُّ بِهِ الشُّبْهَةُ، فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ وَحَلِّ الشُّبْهَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ مَدْحُهُ وَلَا ذَمُّهُ فَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ، فَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَتِهِ أُوقِتَ الِانْتِفَاعُ حَلَالٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَبِاعْتِبَارِ مَضَرَّتِهِ وَقْتَ الْإِضْرَارِ حَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْزَقْ قَلْبًا سَلِيمًا أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مِنْ كِبْرٍ وَعُجْبٍ وَرِيَاءٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجِبُ كِفَايَةً تَعَلُّمُ عِلْمِ الطِّبِّ

(وَ) الْقِيَامُ (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَالْفُرُوعِ) الْفِقْهِيَّةِ زَائِدًا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءِ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا، وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْأَقَارِيرِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ، فَيَجِبُ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِحَيْثُ مُتَعَلِّقٌ بِعُلُومٍ وَتَعْرِيفُ الْفُرُوعِ لِلتَّفَنُّنِ، وَمَا بَحَثَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ جَمْعٍ يَبْلُغُونَ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُتَوَاتِرٌ وَمَعْرِفَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ بِالتَّوَاتُرِ حَتَّى يَحْصُلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِمْ فِيمَا سَبِيلُهُ الْقَطْعُ يُرَدُّ بِأَنَّ كُتُبَهَا مُتَوَاتِرَةٌ، وَتَوَاتُرُ الْكُتُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَظْهَرُ حُصُولُ فَرْضِهِمَا بِمَعْرِفَةِ الْآحَادِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ إثْبَاتِ مَا نُوزِعَ فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ بِالْقَطْعِ الْمُسْتَنِدِ لِمَا فِي كُتُبِ ذَلِكَ الْفَنِّ، وَلَا يَكْفِي فِي إقْلِيمٍ مُفْتٍ وَقَاضٍ وَاحِدٌ لِعُسْرِ مُرَاجَعَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَاضِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ، أَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي فَرْضٍ عَيْنِيٍّ أَوْ فِي فِعْلٍ آخَرَ أَرَادَ مُبَاشَرَتَهُ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ فَتَعَلُّمُ ظَوَاهِرِ أَحْكَامِهِ غَيْرِ النَّادِرَةِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْعِلْمِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ غَيْرِ بَلِيدٍ مُكْفًى وَلَوْ فَاسِقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ لِعَدَمِ قَبُولِ فَتْوَاهُ وَيَسْقُطُ بِالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَبِقَوْلِهِ غَيْرِ بَلِيدٍ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ انْقَطَعَ مِنْ نَحْوِ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ لَا إثْمَ عَلَى النَّاسِ الْيَوْمَ بِتَعْطِيلِ هَذَا الْفَرْضِ، وَهُوَ بُلُوغُ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ صَارُوا كُلُّهُمْ بُلَدَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَمَا قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَالْفُرُوعُ " إنَّ " عَطْفٌ عَلَى تَفْسِيرٍ اقْتَضَى بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ أَوْ عَلَى مَدْخُولِ الْبَاءِ اقْتَضَى أَنَّ الْفُرُوعَ لَيْسَتْ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ يُجَابُ عَنْهُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَكُونُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الَّذِي يَخْفَى إدْرَاكُهُ لِدِقَّتِهِ، وَالشُّبْهَةُ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ الَّذِي يَشْتَبِهُ بِالْحَقِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَامَ بِالْحُجَجِ غَيْرُ حَلِّ الْمُشْكِلِ، وَأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثَّانِي اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَتَصْفُوَ) أَيْ تَخْلُصُ (قَوْلُهُ: وَمُعْضِلَاتٌ) أَيْ مُشْكِلَاتٌ (قَوْلُهُ: فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي النُّورَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَاصِلَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يُفْسِدُ قُلُوبَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ مَدْحُهُ) أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ) وَقَدْ بَيَّنَهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَ (قَوْلُهُ: مِنْ كِبْرٍ) بَيَانٌ لِلْأَمْرَاضِ

(قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِعُلُومٍ) أَيْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيَظْهَرُ حُصُولُ فَرْضِهِمَا) أَيْ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا وَيَكُونُ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْئِيِّ إلَى كُلِّيِّهِ اهـ سم عَلَى حَجّ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ) أَيْ الْفَاسِقُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ وَالضَّرُورِيُّ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ

(قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِعُلُومٍ) أَيْ لَا بِالْفُرُوعِ، وَجَعَلَهُ الْجَلَالُ مُتَعَلِّقًا بِالْفُرُوعِ خَاصَّةً لَمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>