وَالْعَاجِزُ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
وَالرَّاحَةُ بَطْنُ الْكَفِّ وَتَعْبِيرُهُ بِهَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَصَابِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الصَّوَابُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ التَّنْبِيهِ الِاكْتِفَاءَ بِهَا،
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرُّكُوعِ كَوْنُهُ (بِطُمَأْنِينَةٍ) لِخَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الْمَارِّ، وَأَقَلُّهَا أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا (بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ) مِنْ رُكُوعِهِ (عَنْ هَوْيِهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا: أَيْ سُقُوطِهِ، فَزِيَادَةُ الْهَوْيِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ (وَلَا يُقْصَدُ بِهِ) أَيْ بِالْهُوِيِّ (غَيْرُهُ) أَيْ الرُّكُوعِ سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ أَمْ لَا كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ لِانْسِحَابِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ (فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ) لِوُجُودِ الصَّارِفِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِبَ لِيَرْكَعَ، فَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ عَقِبَهَا فَظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ هَوَى لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ مَعَهُ فَرَآهُ لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ هَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْقِيَامِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِمُعِينٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْقِيَامِ إلَّا مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ إلَّا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، أَوْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَجَدَهَا فَاضِلَةً عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِيمَا يَظْهَرُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَقْدُورُهُ انْتَهَى.
وَمُخَالِفًا لِمَا نَقَلَهُ سم عَنْهُ.
ثُمَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ.
فَيَلْزَمُهُ أَوْ فِي الدَّوَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ زَمَنُ الرُّكُوعِ أَقْصَرَ مِنْ زَمَنِ الْقِيَامِ لَزِمَهُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْمُعِينِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْقِيَامِ فَإِنَّ زَمَنَهُ أَطْوَلُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَوَامِهِ إلَّا بِمُعِينٍ (قَوْلُهُ: وَالرَّاحَةُ بَطْنُ الْكَفِّ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَالرَّاحَتَانِ مَا عَدَا الْأَصَابِعَ مِنْ الْكَفَّيْنِ انْتَهَى، وَهِيَ أَوْلَى لِإِخْرَاجِهَا الْأَصَابِعَ صَرِيحًا وَبِخِلَافِ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ فَإِنَّ إخْرَاجَهَا إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَعْبِيرُهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا) هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ هَوِيَ يَهْوِي مِنْ بَابِ ضَرَبَ هَوِيًّا بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا، وَزَادَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ هَوَاءً بِالْمَدِّ سَقَطَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ، قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَهَوَى يَهْوِي أَيْضًا هُوِيًّا بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ إذَا ارْتَفَعَ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْهُوِيَّ بِالضَّمِّ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى السُّقُوطِ وَالرَّفْعِ، وَبِالْفَتْحِ بِمَعْنَى السُّقُوطِ لَا غَيْرُ، وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ ثَمَّ لُغَةً هِيَ أَنَّ الْهَوِيَّ بِالْفَتْحِ السُّقُوطُ وَبِالضَّمِّ الِارْتِفَاعُ (قَوْلُهُ: أَمْ لَا) أَيْ بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَهُ وَغَيْرَهُ فَلَوْ هَوِيَ بِقَصْدِ الرُّكُوعِ وَقَتَلَ الْعَقْرَبَ مَثَلًا لَمْ يَضُرَّ، هَلْ يُغْتَفَرُ لَهُ الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ دَفْعُ الْمَارِّ بِأَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدَّفْعِ مَطْلُوبًا انْتَهَى.
أَقُولُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَفْعِ الْمَارِّ بِأَنَّ الدَّفْعَ شُرِعَ لِدَفْعِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ، فَرُبَّمَا فَاتَ بِهِ مَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ مِنْ كَمَالِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ قَتْلَ الْحَيَّةِ مَطْلُوبٌ لِدَفْعِ ضَرَرِهَا فَأَشْبَهَ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَالْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ فِي دَفْعِهِ لَا تَضُرُّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ) قَالَ حَجّ: أَوْ قَتَلَ نَحْوَ حَيَّةٍ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِبَ لِيَرْكَعَ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا انْتَهَى، أَقُولُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ) لِأَنَّ هَوِيَّهُ لِلتِّلَاوَةِ كَانَ مَشْرُوعًا وَعَوْدَهُ لِيَرْكَعَ وَاجِبٌ فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَبْطُلُ عَمْدُهُ، وَمُجَرَّدُ جَعْلِهِ رُكُوعًا بَعْدَ هَوِيِّهِ بِقَصْدِ التِّلَاوَةِ لَيْسَ فِعْلًا لِمَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَطْعُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ جَائِزٌ حَيْثُ قَطَعَهُ لِيَعُودَ إلَى الْقِيَامِ، وَإِرَادَةُ جَعْلِهِ لِلرُّكُوعِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ فِعْلٍ يَبْطُلُ عَمْدُهُ وَفِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ فَرَآهُ لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُقُوفِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَصَلَ لِلسُّجُودِ فَهَلْ يَقُومُ مُنْحَنِيًا حَتَّى لَوْ قَامَ مُنْتَصِبًا ثُمَّ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ رُكُوعًا لِلِاعْتِدَادِ بِهَوِيِّهِ الْقِيَاسُ.
نَعَمْ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمَذْكُورِ وِفَاقًا لَمْ ر
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِعْلِ الصَّلَاةِ جَمِيعِهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِأَصْلِ السُّنَّةِ فَتَأَمَّلْ
[الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الرُّكُوعُ]
(قَوْلُهُ: وَالرَّاحَةُ بَطْنُ الْكَفِّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَصَابِعِ بِقَرِينَةِ