للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ أَوْ أَكْثَرَ سُنَّتْ فِيمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.

(الْخَامِسُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (الرُّكُوعُ) لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؟ (وَأَقَلُّهُ) فِي حَقِّ الْقَائِمِ الْمُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ (أَنْ يَنْحَنِيَ) انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ (قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ) لَوْ أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ، أَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدَةِ فَتَقَدَّمَ، وَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصُرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ اعْتِمَادِهِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ لَزِمَهُ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

السُّورَةَ الْأُخْرَى (قَوْله سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِتَشَهُّدَيْنِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي النَّفْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ بَعْدَ أَنْ قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِتَشَهُّدَيْنِ سُنَّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ أَنْ يَتْرُكَ هُنَا السُّورَةَ فِيمَا بَعْدَ مَحَلِّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِقَصْدِهِ كَأَنَّهُ الْتَزَمَهُ فَأُلْحِقَ بِالْفَرْضِ.

(قَوْلُهُ: الْخَامِسُ الرُّكُوعُ) وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ رَكَعَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْعَصْرِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ انْتَهَى مَوَاهِبُ بِالْمَعْنَى.

وَاسْتَدَلَّ السُّيُوطِيّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ صَبِيحَتَهَا بِلَا رُكُوعٍ، وَأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ كَذَلِكَ» ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرُّكُوعُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَفَعَلَهُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ وَفِي ظُهْرِ صَبِيحَتِهَا، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي دَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَذَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الرُّكُوعَ أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا لِبَعْضِ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ بَعْدَ هَذَا.

وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] مَا نَصُّهُ: وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ إمَّا لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ أَوْ لِيَقْتَرِنَ ارْكَعِي بِالرَّاكِعِينَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ لَيْسُوا مُصَلِّينَ انْتَهَى.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ بِمَيْلٍ إلَى جَانِبِ لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَأَقَلُّهُ انْحِنَاءٌ مَحْضٍ وَلَوْ بِمُعِينٍ أَوْ مَيْلٍ لِشِقِّهِ أَوْ اعْتِمَادٍ عَلَى عَصًا إلَخْ، فَهَلْ شَرْطُ الْمِيلِ لِشِقِّهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ الْوَاجِبِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِهِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا قَدَرَ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْبَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالْقِيَامُ قُدِّمَ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْحَنِيَ) هَذِهِ لَمْ تُوجَدْ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُلْحَقَةٌ لِبَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ تَصْحِيحًا لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ) ظَاهِرُهُ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ عَلَى الصَّوَابِ بِأَنْ اسْتَوَى وَرَكَعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَى الصَّوَابِ.

وَقَضِيَّةُ حَجّ الْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ حَيْثُ قَالَ: انْحِنَاءً خَالِصًا لَا مَشُوبًا بِانْخِنَاسٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ فِي الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِأَنَّ مَا فِعْلَهُ بِالِانْخِنَاسِ زِيَادَةُ فِعْلٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَهِيَ تَلَاعُبٌ أَوْ تُشْبِهُهُ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ لِإِطْلَاقِهِمْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالشَّيْخِ وَحَمْلُ كَلَامِ حَجّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِمُعِينٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَنَّ فِيهِ مُنَافَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ إيقَاعُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى وَاجِبَاتِهَا مَعَ فِعْلِ سُنَنِهَا يَلْزَمُ الَّذِي عَلَيْهِ إخْرَاجُ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَنِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا عَنْ الْوَقْتِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ لَائِحٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ هُنَاكَ حَاصِلٌ بَيْنَ فِعْلِ أَصْلِ السُّنَنِ وَبَيْنَ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَرْكِ جَمِيعِ السُّنَنِ كَمَا هُوَ فَرْضُ مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِنَّهُ إنْ حَافَظَ عَلَى إيقَاعِهَا فِي الْوَقْتِ أَتَى بِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَالْفَائِتُ لَهُ إنَّمَا هُوَ كَمَالُهَا، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالسُّورَتَيْنِ بِتَمَامِهِمَا، فَالتَّعَارُضُ إنَّمَا حَصَلَ بَيْنَ فِعْلِ بَعْضِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ إكْمَالِهَا، وَقَدَّمُوا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَازَ فَضِيلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>