للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» (وَ) كَوْنُهُمَا (قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ خُطْبَتَيْهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: ١٠] فَأَبَاحَ الِانْتِشَارَ بَعْدَهَا، فَلَوْ جَازَ تَأْخِيرُهُمَا لَمَا جَازَ الِانْتِشَارُ.

(وَأَرْكَانُهُمَا) مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعِ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ (خَمْسَةٌ) (حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى) لِلِاتِّبَاعِ وَكَكَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ (وَ) الثَّانِي (الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذْ كُلُّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ (وَلَفْظُهُمَا) أَيْ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ (مُتَعَيِّنٌ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ بَلْ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا، وَلَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِلنِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: رَأَيْت فِي شَرْحِ الدَّمَامِينِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الِانْفِضَاضِ فِي شَأْنِ التِّجَارَةِ أَنَّ الِانْفِضَاضَ كَانَ فِي الْخُطْبَةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حُوِّلَتْ إلَى قَبْلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» إلَخْ) أَيْ وَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي إلَّا بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَنْ شَرْحِ الدَّمَامِينِيِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّحْوِيلَ كَانَ لِحِكْمَةٍ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ النَّسْخِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ لَمْ تَصِحَّ، أَوْ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ كَوْنَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ نُسِخَ بِالْأَمْرِ بِفِعْلِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ. .

[أَرْكَانُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ]

(قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِأَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُضَافِ أَوْ مُرَادًا بِهَا الْحُكْمُ عَلَى مَجْمُوعِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ أَنَّ جُمْلَةَ الْخَمْسَةِ وَاجِبَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَكَذَا الْمَلْزُومُ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ كِفَايَةُ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ الْأَرْكَانِ فِي الْأُولَى وَلَوْ وَاحِدًا، وَالْإِتْيَانُ بِالْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمِيعِ فِي الْأُولَى وَيُخَلِّي عَنْهَا الثَّانِيَةَ، وَبِالْعَكْسِ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْإِتْيَانُ بِالْأَرْكَانِ فِي مَجْمُوعِ الْخُطْبَتَيْنِ وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَنْ يُقَالَ: نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَنَحْمِلُهُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ إضَافَةُ الْمَجْمُوعِ بِقَرِينَةِ مَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ عَلَى مَا سَيُعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَكَكِلْمَتَيْ التَّكْبِيرِ) وَهُمَا اللَّهُ وَأَكْبَرُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْحَمْدَ جُعِلَ رُكْنًا فِي الْخُطْبَةِ قِيَاسًا عَلَى جَعْلِ التَّكْبِيرِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

[فَرْعٌ] أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَهُ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ وَأَجْزَأَتْ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ غَيْرَ الْخُطْبَةِ، لِأَنَّ هَذَا صَرْفٌ عَنْ الْخُطْبَةِ وَذَاكَ عَنْ النَّبِيِّ، وَنَظِيرُهُ الصَّرْفُ عَنْ اللَّهِ أَوْ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْأَيْمَانِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ ثَمَّ الصَّرْفَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْصَرِفُ أَوْ عَنْ الْيَمِينِ انْصَرَفَ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى هُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ خَاصَّةً. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَتَقْبَلُ الصَّرْفَ، وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلُّهَا تَقْبَلُ الصَّرْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فِيهَا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لَمَّا اُشْتُهِرَتْ فِيهِ اشْتِهَارًا تَامًّا نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي لَا اشْتَرَاك فِيهَا (قَوْلُهُ: افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ: كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْت أُمَّتَك لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَكَكَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ) مَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>