للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الرِّدَّةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا (هِيَ) لُغَةً: الرُّجُوعُ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ كَمَانِعِي الزَّكَاةِ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَشَرْعًا (قَطْعُ) مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ دَوَامَ (الْإِسْلَامِ) وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ أَفْحَشَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَأَغْلَظَهَا حُكْمًا، وَإِنَّمَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ عِنْدَنَا إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ لِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ؛ إذْ لَا يَكُونُ خَاسِرًا فِي الْآخِرَةِ إلَّا إنْ مَاتَ كَافِرًا فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ عِبَادَاتِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

أَمَّا إحْبَاطُ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ إحْبَاطَ الثَّوَابِ غَيْرُ إحْبَاطِ الْأَعْمَالِ بِدَلِيلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ لَا ثَوَابَ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ صِحَّتِهَا، وَخَرَجَ بِقَطْعِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.

وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْفَصْلِ، وَالْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ خَارِجٌ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْ يَكُونُ مُخْرِجًا بِاعْتِبَارٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ بَعْضُ الْمُنَاطِقَةِ بِالْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِمْ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ، وَلَا يَشْمَلُ الْحَدُّ كُفْرَ الْمُنَافِقِ لِانْتِفَاءِ وُجُودِ إسْلَامٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ الرِّدَّةِ

إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ بَعْدَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ مِثْلُهُ، لَكِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ إلَى هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْسِ وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ، وَأَخَّرَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ هَذَا أَهَمَّ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً: الرُّجُوعُ) عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ اهـ مَنْهَجٌ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تُطْلَقُ) أَيْ مَجَازًا لُغَوِيًّا

(قَوْلُهُ: كَمَانِعِي الزَّكَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرْتَدُّوا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ أَفْحَشَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ) قِيلَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَ الرِّدَّةِ أَقْبَحَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُرْتَدٍّ أَقْبَحُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَأَضْرَابِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الرِّدَّةِ أَقْبَحَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ الرِّدَّةُ أَقْبَحُ الْكُفَّارِ، فَنَحْوُ أَبِي جَهْلٍ يَجُوزُ أَنَّ زِيَادَةَ قُبْحِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِنَادِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَصْحَابِهِ وَصَدِّهِ عَنْ الْإِسْلَامِ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِيهِ وَالتَّعْذِيبِ لِمَنْ أَسْلَمَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ الَّتِي لَا تُحْصَرُ، فَيَجُوزُ أَنَّ الرِّدَّةَ أَقْبُحُ مِنْ كُفْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ أَقْبَحَ مِنْ الْمُرْتَدِّ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَأَغْلَظَهَا حُكْمًا) أَيْ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ بُطْلَانَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَلَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، وَلَا يَصِحُّ تَأْمِينُهُ وَلَا مُهَادَنَتُهُ بَلْ مَتَى لَمْ يَتُبْ حَالًا قُتِلَ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَأَعَادَ لَمْ تَنْعَقِدْ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الرِّدَّةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ قَبْلَ الرِّدَّةِ

(قَوْلُهُ: لَا ثَوَابَ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ) أَيْ وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَفِيهَا ثَوَابٌ وَالْعِقَابُ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ) أَيْ فَلَيْسَ رِدَّةً

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْ يَكُونُ مُخْرِجًا بِاعْتِبَارٍ) أَيْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَصْلِهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ بَلْ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَأُرِيدَ بِالْإِخْرَاجِ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ

(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ بَعْضُ الْمَنَاطِقَةِ بِالْإِنْسَانِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ الرِّدَّةِ]

(قَوْلُهُ: مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) أَيْ بِفَرْضِ الْأُنْثَى ذَكَرًا (قَوْلُهُ: دَوَامَ) دَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ إنَّ الْإِسْلَامَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي فَمَا مَعْنَى قَطَعَهُ، وَأَيْضًا أَتَى بِهِ لِإِبْقَاءِ إعْرَابِ الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ سم إنَّهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارٍ) لَمْ يُبَيِّنْ هَذَا الِاعْتِبَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>