كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا، وَجُمِعَ الْأَشْرِبَةُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا مُتَّحِدًا، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِحَدِّ الْأَشْرِبَةِ كَمَا قَالَ قَطْعُ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ ثَمَّ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْقَطْعِ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ التَّحْرِيمِ لِخَفَائِهِ بِالنِّسْبَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.
وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ، وَكَانَ شُرْبُهَا جَائِزًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِوَحْيٍ وَلَوْ إلَى حَدٍّ يُزِيلُ الْعَقْلَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ، قِيلَ إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا.
وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يُقْذَفُ بِالزَّبَدِ، وَتَحْرِيمُ غَيْرِهَا بِنُصُوصٍ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّ قَدْرٍ لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ فِيهِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ، أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ وَلَوْ قَطْرَةً؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ وَخَبَرُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ (قَوْله وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا) أَيْ وَحَيْثُ كَانَ ذِكْرُهَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لَا يُقَالُ أَخَلَّ بِهَا فِي التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي تَنَاوُلِهِ فَلَا يَكُونُ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ بِوَحْيٍ) أَيْ لِإِبَاحَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: إنَّ الْكُلِّيَّاتِ) أَيْ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ (قَوْلُهُ الْخَمْسَ) وَقَدْ نَظَّمَهَا شَيْخُنَا اللَّقَانِيِّ فِي عَقِيدَتِهِ، وَزَادَ عَلَيْهَا سَادِسًا فِي قَوْلِهِ:
وَحِفْظُ نَفْسٍ ثُمَّ دَيْنِ مَالٍ نُسِبَ ... وَمِثْلُهَا عَقْلٌ وَعَرْضٌ قَدْ وَجَبَ
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ إلَخْ) هَذَا لَا يَدْفَعُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْمِلَلُ.
(قَوْلُهُ: وَتَحْرِيمُ غَيْرِهَا) أَيْ حَقِيقَةِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ) كَانَ مُقْتَضَى مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ قَبْلُ، وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلٌّ إلَخْ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْقَدْرِ الْمُسْكِرِ، هَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفُرُ مَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ عِبَارَتِهِ أَوْ لَا، وَهَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَالْخَمْرِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ بَلْ كَوْنُهُ كَبِيرَةً هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الزِّيَادِيِّ وَشُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا لِقِلَّتِهِ صَغِيرَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ) أَيْ فَيَكْفُرُ بِهِ (قَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ) أَيْ بِخِلَافِ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ التَّحْرِيمِ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ) أَيْ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ الصَّغَائِرِ (قَوْلُهُ: الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ) أَيْ النَّفْسَ وَالْعَقْلَ وَالنَّسَبَ وَالْمَالَ وَالْعِرْضَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا) كَانَ الضَّمِيرُ فِي إنَّهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ وَلَا يُنَافِيهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ حَاصِلٌ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا مِنْ التَّحْرِيمِ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ: أَيْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إبَاحَتُهَا فِي مِلَّةٍ وَإِنْ أُبِيحَتْ فِي بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ قَدْرٍ لَا يُسْكِرُ) أَيْ بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّ الْكَثِيرِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ) هَذَا تَبِعَ فِيهِ ابْنَ حَجَرٍ وَذَاكَ إنَّمَا احْتَاجَ لِهَذَا لِاخْتِيَارِهِ عَدَمَ الْكُفْرِ بِاسْتِحْلَالِ الْقَلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute