وَيُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ لِخَبَرِ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» وَالْمُرَادُ بِمَوْتِ الْقُلُوبِ شَغَفُهَا بِحُبِّ الدُّنْيَا أَخْذًا مِنْ خَبَرِ «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَوْتَى؟ قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْأَغْنِيَاءُ» وَقِيلَ الْكَفَرَةُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ.
وَقِيلَ الْفَزَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْذًا مِنْ خَبَرِ «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:، أَوْ غَيْرُهَا وَاسَوْأَتَاهُ، أَتَنْظُرُ الرِّجَالُ إلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ إلَى عَوْرَاتِ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شُغْلًا لَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَا الْمَرْأَةُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ» وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْجَحُ فِي حُصُولِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِلَحْظَةٍ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْصُلُ إحْيَاؤُهُمَا بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَيْ أَوَّلِ رَجَبٍ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مُسْتَجَابٌ فَيُسْتَحَبُّ.
فَصْلٌ فِي االتَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَيُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ عَقِبَ صَلَاةٍ فَقَالَ (يُنْدَبُ) (التَّكْبِيرُ) لِمُسَافِرٍ وَحَاضِرٍ وَذَكَرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ (بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ) اللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بَعِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى (فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ) لَيْلًا وَنَهَارًا، أَمَّا فِي الْفِطْرِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: ١٨٥] قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت مَنْ أَرْضَاهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ عِدَّةُ الصَّوْمِ، وَبِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْإِكْمَالِ، وَأَمَّا عِيدُ الْأَضْحَى فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْسَلِ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ (بِرَفْعِ الصَّوْتِ) إظْهَارًا لِشِعَارِ الْعِيدِ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ مِنْ طَلَبِ رَفْعِ الصَّوْتِ الْمَرْأَةَ وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ إذَا حَضَرَتْ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ لَهُ عَلَى كَوْنِهِ جَاءَ لِلْمَسْجِدِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، بِلَوْ كَانَ جَالِسًا فِيهِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ لِصَلَاتِهِ سَبَبٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِاشْتِغَالِهِ إلَخْ هُوَ وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهَا لِطَلَبِ الْخُطْبَةِ مِنْهُ.
وَأَمَّا لِمَا قَبْلَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ وَقْتُ إرَادَةِ الصَّلَاةِ فَوَاضِحٌ أَيْضًا، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا أَوْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّأْخِيرِ فَمَا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ مَطْلُوبَةً مِنْهُ كَانَ الْأَهَمُّ فِي حَقِّهِ اشْتِغَالَهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمُرَاقَبَتَهُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ لِانْتِظَارِهِ إيَّاهَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ) أَيْ فَإِنَّ إحْيَاءَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا عِيدًا وَكَرَاهَةَ تَخْصِيصِهَا بِقِيَامٍ إذَا لَمْ تُصَادِفْ لَيْلَةَ عِيدٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْفَزَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ (قَوْلُهُ: لَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ أَنَّهُ رَجُلٌ إلَخْ) أَيْ لِشِدَّةِ الْهَوْلِ وَانْتِظَارِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْفَرَجِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَصِيرَ عَيْنَاهُ لِكَثْرَةِ تَطَلُّعِهِ لِمَا يَحْصُلُ كَأَنَّهُمَا فِي رَأْسِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَرْجَحُ إلَخْ) أَخَذَهُ غَايَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، إذْ الْمَقْصِدُ مِنْ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ إحْيَاؤُهَا (قَوْلُهُ: بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً) أَيْ وَلَوْ فِي الْوَقْتِ الْمَفْضُولِ (قَوْلُهُ: وَالْعَزْمُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ.
[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]
[وَقْتُ تَكْبِير الْعِيد]
فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ. أَيْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ عَقِبَ صَلَاةٍ) أَيْ وَلَا غَيْرِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَذْكَارِهَا بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ الْآتِي اهـ حَجّ: أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى أَذْكَارِهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ شِعَارُ الْوَقْتِ وَلَا يَتَكَرَّرُ فَكَانَ الِاعْتِنَاءُ بِهِ أَشَدَّ مِنْ الْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ: وَبِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْإِكْمَالِ) أَيْ التَّكْبِيرِ عِنْدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ إلَخْ)
[حاشية الرشيدي]
فَصْل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute