فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ (يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) لِوُقُوعِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَالْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ، وَالثَّانِي الْمُنْقَطِعُ، وَلَا دَخْلَ لَهَا هُنَا بَلْ إطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَمِثْلُ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً شَرْعِيًّا التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَكُلُّ مَا يَأْتِي مِنْ الشُّرُوطِ مَا عَدَا الِاسْتِغْرَاقَ عَامٌّ فِي النَّوْعَيْنِ (بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامًا وَاحِدًا، وَاحْتَجَّ لَهُ الْأُصُولِيُّونَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِشُذُوذِهِ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ عَنْهُ (وَلَا يَضُرُّ) فِي الِاتِّصَالِ (سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ) وَنَحْوُهُمَا كَعُرُوضِ عُطَاسٍ أَوْ سُعَالٍ وَالسُّكُوتُ لِلتَّذَكُّرِ كَمَا قَالَاهُ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا يُنَافِيهِ اشْتِرَاطُ قَصْدِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُهُ إجْمَالًا ثُمَّ يَتَذَكَّرُ الْعَدَدَ الَّذِي يَسْتَثْنِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَسِيرٌ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا عُرْفًا، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ قَلَّ لَا مَا لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ وَقَدْ قَلَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهُوَ أَنَّ الِاتِّصَالَ هُنَا أَبْلَغُ مِنْهُ بَيْنَ إيجَابِ نَحْوِ الْبَيْعِ وَقَبُولِهِ، وَدَعْوَى أَنَّ مَا تَقَرَّرَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مِثْلَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ لَوْ سَكَتَ ثُمَّ عَبَثَ عَبَثًا يَسِيرًا عُرْفًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ زَادَ عَلَى نَحْوِ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ بِخِلَافِ هُنَا، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ اثْنَيْنِ مَا لَا يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ وَاحِدٍ.
(قُلْت: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ) وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِبَعْضِ مَا سَبَقَ فَاحْتِيجَ قَصْدُهُ لِلرَّفْعِ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ فَرَاغِ لَفْظِ الْيَمِينِ إجْمَاعًا عَلَى مَا حَكَاهُ جَمْعٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَنَتْ بِكُلِّهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ بِأَوَّلِهِ فَقَطْ أَوْ آخِرِهِ فَقَطْ أَوْ أَثْنَائِهِ فَقَطْ فَيَصِحُّ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَيَتَّجِهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الِاقْتِرَانِ هُنَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ إنْ دَخَلْت مَا مَرَّ فِي اقْتِرَانِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي نِيَّةِ الْكِنَايَةِ هُنَا لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرِيحٌ فِي الرَّفْعِ فَكَفَى فِيهِ أَدْنَى إشْعَارٍ، بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ فَإِنَّهَا لِضَعْفِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوُقُوعِ تَحْتَاجُ إلَى مُؤَكِّدٍ أَقْوَى وَهُوَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِكُلِّ اللَّفْظِ عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ إنْ نَوَى ذَلِكَ أَثْنَاءَ الْكَلِمَةِ فَوَجْهَانِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْكِنَايَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ تَحْقِيقًا، وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ أَوْ تَقْدِيرًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ لَهُ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: بَلْ يُسَمَّى) أَيْ التَّعْلِيقُ (قَوْلُهُ: وَاحْتَجَّ لَهُ) أَيْ لِصِحَّتِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ: أَيْ السُّكُوتَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا ذَكَرَ يَسِيرٌ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ طَالَ نَحْوَ السُّعَالِ وَلَوْ قَهْرًا ضَرَّ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشَّارِحِ: نَعَمْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ عُرُوضُ سُعَالٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْخَفِيفِ عُرْفًا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: يَا زَانِيَةُ) اُنْظُرْ وَجْهَ أَنَّ هَذَا بِهِ تَعَلُّقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانُ عُذْرِهِ فِي تَطْلِيقِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (قَوْلُهُ: كَأَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي) أَيْ إذَا نَوَى أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِ طَالِقٍ (قَوْلُهُ: قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: إنْ أَخَّرَهُ وَإِلَّا فَقَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ بَلْ التَّلَفُّظُ بِهِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَقْصِدَ حَالَ الْإِتْيَانِ بِهِ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا يَأْتِي لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاق]
فَصْلٌ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَنَتْ بِكُلِّهِ) هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ بِالنَّظَرِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْمُخَالَفَةُ قَبْلَهَا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ الَّتِي هِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute