- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَصَلَاتُهُ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّحَّةِ فَتَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ غَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ بِسَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، بَلْ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَيُعِيدُ) إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ بِمَحَلٍّ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ.
وَالثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ مُطَرَّدٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ رَأَى أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ أَوْ حَبْسٌ عَلَيْهَا وَكَانَ لَوْ سَجَدَ لَسَجَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وُجُوبًا إيمَاءً بِأَنْ يَنْحَنِيَ لَهُ بِحَيْثُ لَوْ زَادَ أَصَابَهَا وَيُعِيدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَيْسَ لِمَنْ ذُكِرَ فِعْلُهَا إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِوَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ فِي أَنَّهَا تُؤَدَّى مَعَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُصَلُّونَهَا وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَعَمْ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ حَتْمًا فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ نَصُّهَا: قَالَ فِي الْإِسْعَادِ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِالْفَاتِحَةِ آيَةُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالسُّورَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَنْذُورَةُ كُلَّ يَوْمٍ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ يَوْمًا بِكَمَالِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِرْشَادِ نَعَمْ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي آيَةِ الْخُطْبَةِ، وَفِيهِ فِي السُّورَةِ الْمَنْذُورَةِ تَرَدُّدٌ إذْ النَّذْرُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ جَائِزِ الشَّرْعِ، وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُهَا بِمَا قَبْلَهَا، إذْ مَا ذُكِرَ فِي التَّرَدُّدِ خِلَافُ الْأَصْلِ اهـ.
أَقُولُ: وَبَقِيَ مَا لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ هَلْ تُجْزِئُهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ حُرْمَةِ ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ لَا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَأَجْنَبَ فِيهِ فَقَرَأَ وَهُوَ جُنُبٌ حَيْثُ قَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الثَّوَابُ وَقِرَاءَتُهُ لَا ثَوَابَ فِيهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ هَذَا كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لِأَنَّ تِلْكَ لَهَا جِهَتَانِ كَوْنُهَا صَلَاةً وَلَيْسَتْ مَنْهِيًّا عَنْهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَكَوْنُهَا شُغْلًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَلَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَيْسَتْ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ جِهَةِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ هَذَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَأَى إلَخْ) أَيْ أَوْ تَوَهَّمَهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ابْنُ الرَّمْلِيِّ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِمَنْ ذُكِرَ) أَيْ مِنْ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ حُبِسَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فَعَلَهَا) أَيْ صَلَاةَ النَّفْلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ) أَيْ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْقُرْآنِ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ خَافَ نِسْيَانَهُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَكَانَ لَا يَدْفَعُ خَوْفَ نِسْيَانِهِ إجْرَاؤُهُ عَلَى قَلْبِهِ (قَوْلُهُ: هَؤُلَاءِ) أَيْ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَمَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ حُبِسَ بِمَكَانٍ نَجَسٍ (قَوْلُهُ: لَا يُصَلُّونَهَا) قَضِيَّةُ حَصْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ يَتَنَفَّلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ تَحَيَّرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[الْحُكْمِ الثَّالِثِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا]
قَوْلُهُ: وَالثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ) هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْقَدِيمِ. وَالثَّانِي مِنْهَا نَدْبُ فِعْلِ الصَّلَاةِ لِلْفَاقِدِ الْمَذْكُورِ. وَالثَّالِثُ حُرْمَتُهُ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: فِعْلُهَا) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلنَّفْلِ بِالتَّأْوِيلِ