للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ وَسَوَابِقِهِ وَلَوَاحِقِهِ إذَا (ظَهَرَ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا) كَخُشُونَةِ جَوَابٍ وَتَعْبِيسٍ بَعْدَ طَلَاقَةٍ وَإِعْرَاضٍ بَعْدَ إقْبَالٍ (وَعَظَهَا نَدْبًا) أَيْ حَذَّرَهَا عِقَابَ الدُّنْيَا بِالضَّرْبِ وَسُقُوطِ الْمُؤَنِ وَالْقَسْمِ وَالْآخِرَةَ بِالْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَهَا خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» (بِلَا هَجْرٍ) وَلَا ضَرْبٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ نُشُوزًا فَلَعَلَّهَا تَعْتَذِرُ أَوْ تَتُوبُ وَحَسُنَ أَنْ يَسْتَمِيلَهَا بِشَيْءٍ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ هَجْرٍ يُفَوِّتُ حَقَّهَا مِنْ نَحْوِ قَسْمٍ لِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ) (تَحَقَّقَ نُشُوزًا) كَمَنْعِ تَمَتُّعٍ وَخُرُوجٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعَظَ وَهَجَرَ فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ الْوَطْءِ أَوْ الْفِرَاشِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ لَا فِي الْكَلَامِ لِحُرْمَتِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِصْلَاحَ دِينِهَا لَا حَظَّ نَفْسَهُ وَلَا الْأَمْرَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَوَازِ الْهَجْرِ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ وَكَصَلَاحِ دِينِهِ أَوْ دِينِ الْهَاجِرِ، وَمِنْ ثَمَّ «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَنَهَى الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ» ، وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا جَاءَ مِنْ مُهَاجَرَةِ السَّلَفِ (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الْجِنَايَةِ بِالتَّكَرُّرِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ بِشَرْطِ عِلْمِهِ بِإِفَادَتِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ) إنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ وَعْظِهِ وَهَجْرِهِ وَالْأَوْلَى الْعَفْوُ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبٌ مُدْمٍ أَوْ مُبَرِّحٌ وَهُوَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ إلَّا بِهِ حَرُمَ الْمُبَرِّحُ وَغَيْرُهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يُنَافِي قَوْلُ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ يَضْرِبُهَا بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصَا مَا يَأْتِي فِي سَوْطِ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَقُّ هُنَا لِنَفْسِهِ وَالْعَفْوُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى خُفِّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفَّفْ فِي غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ جَوَازُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَصْلٌ) فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ

(قَوْلُهُ: وَسَوَابِقِهِ) أَيْ ظُهُورِ الْأَمَارَاتِ، وَقَوْلُهُ وَلَوَاحِقِهِ: أَيْ كَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ (قَوْلُهُ: كَخُشُونَةِ جَوَابٍ) أَيْ بَعْدَ لِينٍ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ) هَذَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ حُكْمِ ظُهُورِ أَمَارَةِ النُّشُوزِ وَتَحَقُّقَهُ فِي الْهَجْرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَحَقَّقَ إلَخْ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ جَازَ لَهُ الْهَجْرُ فِي الْمَضْجَعِ وَإِنَّ تَحَقُّقَهُ طُلِبَ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ) يُقَالُ ضَجَعَ الرَّجُلُ: وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ، وَبَابُهُ قَطَعَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ هَجْرُهُ لَا يُفِيدُ تَرْكُهُ الْفِسْقَ وَلَا الْبِدْعَةَ، نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَجْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى زِيَادَةِ الْفِسْقِ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُهُ (قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وَهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَصَاحِبَاهُ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ ابْنُ أُمَيَّةَ اهـ رَوْضٌ. أَقُولُ: وَيَجْمَعُ أَسْمَاءَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْأَوَائِلِ مَكَّةُ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْأَوَاخِرِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: مَا جَاءَ مِنْ مُهَاجَرَةِ السَّلَفِ) أَيْ تَرْكُ بَعْضِهِمْ الْكَلَامَ لِبَعْضٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مَا لَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ (قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ يُفِيدُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى الْعَفْوُ) أَيْ بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ شَرْحُ رَوْضٍ.

(قَوْلُهُ: مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[فَصْلٌ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ وَسَوَابِقِهِ وَلَوَاحِقِهِ]

(فَصْلٌ) فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَطْءُ أَوْ الْفِرَاشُ) أَيْ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ إيثَارًا لِلَفْظِ الْآيَةِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>