كِتَابُ الصِّيَامِ هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ. وَشَرْعًا: إمْسَاكُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، سَالِمٍ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ فِي جَمِيعِهِ، وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا، وَقَوْلُهُ {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ دُونَ وَقْتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ لِحَدِيثِ «رَمَضَانُ سَيِّدُ الشُّهُورِ» وَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الصِّيَامِ. (قَوْلُهُ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً قَصْدًا لِبَيَانِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلصَّوْمِ.
(قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفْطِرَاتِ) قِيلَ لَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ عَيْنٍ لَكَانَ أَوْضَحَ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْمُفْطِرِ مَا هُوَ اهـ.
أَقُولُ: لَكِنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِهِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَامَعَ أَوْ تَقَايَا أَوْ ارْتَدَّ فَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا غَايَتُهُ أَنَّهُ مُجْمَلٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِهِ) أَيْ النَّهَارِ الْقَابِلِ لِلصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ) هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ آيَةُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ مَعَ مَا يَأْتِي حَالٌ مِنْ الْخَبَرِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ) وَقِيلَ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ حَيْثُ قَالَ: وَعَشْرُ عِيدِ النَّحْرِ مَعْلُومَاتٌ وَمَا لِتَشْرِيقٍ فَمَعْدُودَاتٌ كَذَا بِهَامِشٍ وَلَعَلَّهُ اشْتِبَاهٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ رَمَضَانَ بَيَانٌ لِلْمَعْدُودَاتِ فِي قَوْلِهِ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ بَيَانٌ لَهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] .
(قَوْلُهُ: وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ) لَمْ يُبَيِّنْ كَابْنِ حَجَرٍ هَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ) قَالَ حَجّ: وَيَنْقُصُ وَيَكْمُلُ وَثَوَابُهُمَا وَاحِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَحِلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْفَضْلِ الْمُرَتَّبِ عَلَى رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ ثَوَابِ وَاجِبِهِ وَمَنْدُوبِهِ عِنْدَ سُحُورِهِ وَفِطْرِهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ يَفُوقُ بِهَا النَّاقِصَ، وَكَأَنَّ حِكْمَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكْمُلْ لَهُ رَمَضَانُ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً وَالْبَقِيَّةُ نَاقِصَةٌ زِيَادَةُ تَطْمِينِ نُفُوسِهِمْ عَلَى مُسَاوَاةِ النَّاقِصِ لِلْكَامِلِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ.
وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ قَدْ يُقَالُ الْفَضْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى رَمَضَانَ لَيْسَ إلَّا مَجْمُوعَ الْفَضْلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى أَيَّامِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا اهـ سم عَلَيْهِ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ يُمْنَعُ الْحَصْرُ وَأَنَّ لِرَمَضَانَ فَضْلًا مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَجْمُوعِ أَيَّامِهِ كَمَا فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ لِمَنْ صَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَالدُّخُولِ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ الْمُعَدِّ لِصَائِمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ أَنَّهُ يُكَرَّمُ بِهِ صَوَّامُ رَمَضَانَ، وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ رَمَضَانَ نَاقِصًا أَوْ تَامًّا، وَأَمَّا الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ بِخُصُوصِهِ فَأَمْرٌ آخَرُ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكَامِلِ بِسَبَبِهِ مَا لَا يَثْبُتُ لِلنَّاقِصِ، وَقَوْلُهُ وَكَأَنَّ حِكْمَةَ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
ِ (قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ) أَيْ بِنِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ) يَصِحُّ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى آيَةِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لِأَفْضَلِيَّتِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ صَوْمَهُ أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفُضِّلَ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute