للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَبْشِ الضَّبُعِ وَنَحْوِهِ، أَوْ أَنْ يَجْرُفَهُ السَّيْلُ، وَسَيَعْلَمُ مَنْ هَدَمَ بِنَاءً بِالْمُسْبَلَةِ حُرْمَةَ الْبِنَاءِ فِيهَا إذْ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَهْدِمُ إلَّا مَا حَرُمَ وَضْعُهُ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ وُهِمَ فِيهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ أَكَانَ اسْمَ صَاحِبِهِ أَمْ لَا فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْقُبُورُ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ إلَى كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ لِمَعْرِفَتِهِ لِلزِّيَارَةِ كَانَ مُسْتَحَبًّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، لَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ لِتَعَرُّضِهِ لِلدَّوْسِ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةِ وَالتَّلْوِيثِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى عِنْدَ تَكْرَارِ النَّبْشِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسْبَلَةِ مَرْدُودُ إطْلَاقِهِمْ، لَا سِيَّمَا وَالْمَحْذُورُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ، وَأَنْ يُقَبَّلَ التَّابُوتُ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ.

نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُشِيرَ بِعَصًا، وَأَنْ يُقَبِّلَهَا، وَقَالُوا: أَيَّ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ

(وَلَوْ) (بَنَى) عَلَيْهِ (فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٍ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً، وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى الْمَوْقُوفَةُ (هُدِمَ) الْبِنَاءُ وُجُوبًا لِحُرْمَتِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، وَسَوَاءٌ أَبَنَى قُبَّةً أَمْ بَيْتًا أَمْ مَسْجِدًا أَمْ غَيْرَهَا.

قَالَ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ: وَمِنْ الْمُسْبَلِ قَرَافَةُ مِصْرَ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَعْطَاهُ الْمُقَوْقِسَ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ، فَكَاتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ.

وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا، وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ حَالُهُ فِي الْوَضْعِ فَإِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ: أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَ سِبَاعُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْحَفْرَ عَنْ مَوْتَاهُمْ وَجَبَ بِنَاءُ الْقَبْرِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ وُصُولَهَا إلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا الْبِنَاءُ كَبَعْضِ النَّوَاحِي وَجَبَ صُنْدُوقٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ) وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَعْتَابِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ إلَخْ) أَيْ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَحَلَّاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَنَحْوَهَا الَّتِي تُقْصَدُ زِيَارَتُهَا كَسَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدَوِيِّ إذَا حَصَلَ فِيهَا زِحَامٌ يَمْنَعُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْقَبْرِ أَوْ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ لَا يَقْرُبُ مِنْ الْقَبْرِ بَلْ يَقِفُ فِي مَحَلٍّ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ أَوْ نَحْوِهَا إلَى قَبْرِ الْوَلِيِّ الَّذِي قَصَدَ زِيَارَتَهُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَنَى فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةً) وَلَيْسَ مِنْ الْبِنَاءِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ تَوَابِيتِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ اسْتَقْرَبَ أَنَّهَا مِثْلُ الْبِنَاءِ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ تَضْيِيقٌ إلَخْ، وَمِنْ الْبِنَاءِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وَضْعِ الْأَحْجَارِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّرْكِيبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ صَوْنَهُ عَنْ النَّبْشِ لِيَدْفِنَ غَيْرَهُ قَبْلَ بِلَاهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ بِالْأُولَى مَوْقُوفَةٌ) إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إذَا جُعِلَتْ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَالِ وَإِلَّا فَالْمَوْقُوفَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْرَاةِ (قَوْلُهُ: إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ) أَيْ لَا أَعْتَقِدُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا) حَتَّى قُبَّةِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ الَّتِي بَنَاهَا بَعْضُ الْمُلُوكِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ هَدْمَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ يَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ لِلْإِمَامِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الصُّلْحِ وَلَا يَجُوزُ زَرْعُ شَيْءٍ فِي الْمُسْبَلَةِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ بِلَى مَنْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ، فَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: يَجُوزُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ]

(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي تَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ وَأَعْتَابِهِمْ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُقَبِّلُهَا إلَّا بِهَذَا الْقَصْدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى الْمَوْقُوفَةُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْغَايَةَ تَشْمَلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>