(بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (فِي صَلَاةِ النَّفْلِ) هُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَاصْطِلَاحًا مَا عَدَا الْفَرَائِضِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْحَسَنِ وَالْمُرَغَّبِ فِيهِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالتَّطَوُّعِ فَهِيَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِتَرَادُفِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَذَهَبَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ: تَطَوُّعٌ وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً.
وَسُنَّةٌ وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ لِعُمُومِهَا الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» لِأَنَّهَا تِلْوَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرَبِ وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ وَاعْتِقَادٍ بِالْجَنَانِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا) قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا ذُكِرَ نَفْلًا مِنْ وَضْعِ الْفُقَهَاءِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا تَلَقَّى تَسْمِيَتُهُ مِنْ الشَّارِعِ يُقَالُ فِيهِ وَشَرْعًا (قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ فَمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَطْلُوبٍ فَيَخْرُجُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: وَالتَّطَوُّعِ) زَادَ سم فِي شَرْحِهِ لِلْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ: وَالْإِحْسَانِ، وَزَادَ حَجّ: وَالْأَوْلَى: أَيْ الْأَوْلَى بِفِعْلِهِ مِنْ تَرْكِهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ) فِيهِ بَحْثٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْوَاجِبَ وَالْمُبَاحَ أَيْضًا كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ الْحَسَنُ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ التَّرَادُفَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. أَوْ أَنَّ مُرَادَفَةَ الْحَسَنِ اصْطِلَاحٌ آخَرُ لِلْفُقَهَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَثَوَابُ الْفَرْضِ يَفْضُلُهُ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّبْعِينَ الْحَصْرَ. وَزَعْمُ أَنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ يَفْضُلُهُ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ وَإِنْظَارِهِ وَابْتِدَاءِ سَلَامٍ وَرَدِّهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَضْلِ فِي هَذَيْنِ اشْتِمَالُ الْمَنْدُوبِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَزِيَادَةً، إذْ بِالْإِبْرَاءِ زَالَ الْإِنْظَارُ وَبِالِابْتِدَاءِ حَصَلَ أَمْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْجَوَابِ. اهـ حَجّ: أَيْ فَفَضْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَنْدُوبًا (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الْقَاضِي) مُقَابِلُ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ) وَهِيَ النَّفَلُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْحَسَنُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَمَّا هُوَ فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ حَيْثُ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُمَا مِنْ الْبَدَنِ، لَكِنْ سَيَأْتِي قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ وَهُوَ يُفِيدُ تَخْصِيصَ الْبَدَنِ بِالْهَيْكَلِ الظَّاهِرِ، فَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْإِسْلَامَ مِنْ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ) أَيْ تَابِعَةٌ لَهُ فِي الشَّرَفِ وَالذِّكْرِ نَحْوَ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: ٣] (قَوْلُهُ: وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ) هَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّ
[حاشية الرشيدي]
[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَهِيَ قِسْمَانِ] [قِسْمٌ لَا يُسَنُّ فِيهِ النَّفَلُ جَمَاعَةً]
بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِسْلَامِ) أَيْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إذْ هَذَا حَقِيقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ» إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا بَلْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي وَقْتِهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَيْسَتْ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ: وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا إلَخْ) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute