للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَمِنْهُ الْكَافِرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، إذْ مُصِيبَةُ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ مُصِيبَةِ الدُّنْيَا فَطُلِبَ مِنْهُ السُّجُودُ شُكْرًا عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِرُؤْيَةِ الْمُبْتَلَى وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الْمُبْتَلَى وَالْعَاصِي عِنْدَ أَعْمَى أَوْ سَمِعَ صَوْتَهُمَا سَامِعٌ وَلَمْ يَرَهُمَا سُنَّ لَهُ السُّجُودُ أَيْضًا فَالشَّرْطُ إمَّا الرُّؤْيَةُ وَلَوْ مِنْ بُعْدٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِهَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ أَوْ حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْأَعْمَى أَوْ سَمَاعُ صَوْتِهِمَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَكَرُّرُ السُّجُودِ إلَى مَا لَا غَايَةَ لَهُ فِيمَنْ هُوَ سَاكِنٌ بِإِزَائِهِ مَثَلًا؛ لِأَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِهِ كَذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَهَمُّ مِنْهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ (وَيُظْهِرُهَا) أَيْ السَّجْدَةَ (لِلْعَاصِي) بِقَيْدِهِ الْمَارِّ.

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَعْصِيَتِهِ الَّتِي يَتَجَاهَرُ بِهَا كَوْنُهَا كَبِيرَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا تَعْبِيرًا لَهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَتَجَاهَرْ بِمَعْصِيَتِهِ فَلَا يُسْجَدُ لِرُؤْيَتِهِ أَوْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا فَلَا يُظْهِرُهَا بَلْ يُخْفِيهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (لَا لِلْمُبْتَلَى) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِالْإِظْهَارِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَوْ مَجْلُودٍ فِي زِنًا، وَلَمْ يَعْلَمْ تَوْبَتَهُ أَظْهَرَهَا لَهُ وَإِلَّا فَيُسِرُّهَا.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَسْجُدُ لِرُؤْيَةِ فَاسِقٍ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ زَجْرَهُ سَجَدَ مُطْلَقًا أَوْ الشُّكْرِ عَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ لَمْ يَسْجُدْ إنْ كَانَ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ فِسْقُ الرَّائِي أَقْبَحَ وَيَجْرِي هَذَا فِيمَا لَوْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ وَالْعِصْيَانِ وَهَلْ يُظْهِرُهَا لِلْفَاسِقِ الْمُتَجَاهِرِ الْمُبْتَلَى فِي بَدَنِهِ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ يُحْتَمَلُ الْإِظْهَارَ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالزَّجْرِ وَالْإِخْفَاءِ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الِابْتِلَاءِ فَيَنْكَسِرَ قَلْبُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُظْهِرُهَا وَيُبَيِّنُ لَهُ السَّبَبَ وَهُوَ الْفِسْقُ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَيَحْرُمُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَمَا يَحْرُمُ بِرُكُوعٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِهِ (وَهِيَ) أَيْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ (كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَشَرَائِطِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْدُوبَاتِهَا (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ (عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ) بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا نَفْلٌ فَسُومِحَ فِيهِمَا لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ، وَإِنْ أَذْهَبَ الْإِيمَاءُ أَظْهَرَ أَرْكَانِهَا مِنْ تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عَدَمُ الْجَوَازِ لِفَوَاتِ أَعْظَمِ أَرْكَانِهِمَا وَهُوَ إلْصَاقُ الْجَبْهَةِ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرْقَدٍ، وَأَتَمَّ سُجُودَهُ جَازَ بِلَا خِلَافٍ. وَالْمَاشِي يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ (فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ) الْإِيمَاءُ (عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (قَطْعًا) تَبَعًا لِلنَّافِلَةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ، وَخَرَجَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ سَجْدَةُ الشُّكْرِ فَلَا تُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَتَفُوتُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ بِطُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَبَبِهَا كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَائِدَةٌ] يَنْبَغِي فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ عَقِيدَةُ الرَّائِي وَالْعَاصِي أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي اسْتِحْبَابِ السُّجُودِ بِعَقِيدَةِ الرَّائِي وَفِي إظْهَارِ السُّجُودِ لِلْعَاصِي بِعَقِيدَةِ الْمَرْئِيِّ، فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ إظْهَارِ السُّجُودِ لَهُ زَجْرُهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ إلَّا حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْكَافِرُ) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ.

أَمَّا لَوْ رَأَى جُمْلَةً مِنْ الْكُفَّارِ دَفْعَةً فَيَكْفِي لِرُؤْيَتِهِمْ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: سَجَدَ لِرُؤْيَةِ الْمُبْتَلَى) أَيْ وَالْعَاصِي أَوْلَى لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مُصِيبَةَ الدِّينِ إلَخْ، فَلَيْسَ مَا ذُكِرَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ مَرَّةً لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ إلَخْ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِقَيْدِهِ الْمَارَّ) هُوَ قَوْلُهُ: مُتَجَاهِرٍ (قَوْلُهُ: كَوْنُهَا كَبِيرَةً) أَيْ فَيَسْجُدُ لِلصَّغِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا، وَعِبَارَةُ حَجّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ مُسْتَتِرٍ مُصِرٍّ وَلَوْ عَلَى صَغِيرَةٍ. اهـ (قَوْلُهُ: تَعْيِيرًا لَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي (قَوْلُهُ: لَا لِلْمُبْتَلَى) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ ابْتَلَى (قَوْلُهُ: سَجَدَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَى أَوْ أَدْوَنَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الِاحْتِمَالُ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: سَجَدَ لِرُؤْيَةِ الْمُبْتَلَى) أَيْ وَالْعَاصِي مُبْتَلَى كَمَا قَرَّرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>