للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى مِنْ السُّجُودِ لِكَثِيرٍ مِنْ النِّعَمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِسُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ، وَيُمْكِنُ مَنْعُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مُدَّعَاهُ بِأَنَّ أَخْبَارَ جِبْرِيلَ خَرَجَتْ عَنْ مَوْضُوعِ الْمَعْرِفَةِ إلَى نِعْمَةٍ حَدَثَتْ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا وَقَعَ لَهُ عَادَةٌ كَحُدُوثِ دِرْهَمٍ وَعَدَمِ رُؤْيَةِ عَدُوٍّ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ: اُشْتُرِطَ فِي النِّعْمَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا بَالٌ: أَيْ وَقْعٌ وَخَطَرٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي تَبَعًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَاغْتَرَّ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَحَذَفَهُ مِنْ رَوْضِهِ، وَتَبِعَهُ عَلَى الْمُنَازَعَةِ الْجَوْجَرِيُّ مَا لَوْ تَسَبَّبَ فِيهِمَا تَسَبُّبًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِحُصُولِهِمَا عَقِبَهُ وَنِسْبَتِهِمَا لَهُ، فَلَا سُجُودَ حِينَئِذٍ كَرِبْحٍ مُتَعَارَفٍ لِتَاجِرٍ يَحْصُلُ عَادَةً عَقِبَ أَسْبَابِهِ.

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ اعْتِبَارِ تَسَبُّبِهِ فِي حُصُولِ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ وَالْعَافِيَةِ بِالدَّوَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْسَبُ فِي الْعَادَةِ إلَى فِعْلِهِ وَيُعَدُّ فِيهَا نِعْمَةً ظَاهِرَةً، وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ اسْتِمْرَارُ النِّعَمِ وَانْدِفَاعُ النِّقَمِ كَالْعَافِيَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ فَلَا سُجُودَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِغْرَاقِ الْعُمُرِ فِي السُّجُودِ، وَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُ السُّجُودِ لِذَلِكَ إلَّا إنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ ثَرْوَةٌ أَوْ جَاهٌ أَوْ وَلَدٌ مَثَلًا بِحَضْرَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِالْحَالِ فَيُخِيفُهُ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ، وَلَوْ ضَمَّ صَدَقَةً أَوْ صَلَاةً لِسُجُودِهِ فَهُوَ أَوْلَى، فَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيّ الذَّاكِرِ لِسُنِّيَّةِ التَّصَدُّقِ أَوْ الصَّلَاةِ شُكْرًا أَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ السُّجُودِ، وَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيّ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.

(أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى) فِي نَحْوِ عَقْلِهِ أَوْ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ مَرَّةً لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ رَجُلٍ بِهِ قِصَرٌ بَالِغٌ وَضَعْفُ حَرَكَةٍ وَنَقْصُ خَلْقٍ أَوْ بَلَاءٌ وَاخْتِلَاطُ عَقْلٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ أَكَّدَتْهُ، وَالسُّجُودُ هُنَا عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ (أَوْ) رُؤْيَةِ (عَاصٍ) مُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَتِهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ.

وَأَمَّا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَاسْمٌ لِمَدِينَةٍ بِالْجِبَالِ كَمَا فِي اللُّبِّ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ السُّجُودِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فَاسْتَدَلَّ) أَيْ الْمُنْظِرُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَرَزَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ الظَّاهِرَتَيْنِ (قَوْلُهُ: كَحُدُوثِ دِرْهَمٍ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَخَطَرَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: كَرِيحٍ مُتَعَارَفٍ) أَيْ مُتَعَارَفٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: تُقْضَى الْعَادَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَالْعَافِيَةِ) أَيْ لِلصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: ثَرْوَةٌ) أَيْ غِنًى (قَوْلُهُ: أَوْ صَلَاةً لِسُجُودِهِ) أَيْ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا بِنِيَّةِ الشُّكْرِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ سَبَبُهَا الشُّكْرُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ أَوْ أَقَامَهُمَا مَقَامَهُ فَهُوَ حَسَنٌ. اهـ حَجّ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا: أَيْ مَعَ سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ لِلشُّكْرِ، وَزَادَ لَفْظَهُ أَيْضًا لِيُفِيدَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ تِلْمِيذَ الْبَغَوِيّ الذَّاكِرَ لِاسْتِحْبَابِ مَا ذَكَرَ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ خِلَافَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَقَامَ التَّصَدُّقَ أَوْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَقَامَ السُّجُودِ كَانَ حَسَنًا. اهـ، فَمَا قَالَهُ حَجّ اعْتَمَدَ فِيهِ كَلَامَ الْخُوَارِزْمِيَّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّلَامَةُ مِنْ تِلْكَ الْآفَةِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِهَامِشٍ بِمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْآفَةُ مِمَّا يَعْرِضُ مِثْلُهَا لِلْآدَمِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: أَيْ وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُ بَلَائِهِ حِينَئِذٍ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْآدَمِيِّ فِي الْعَادَةِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُ بَلَائِهِ إلَخْ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا رُؤْيَةَ مُرْتَكِبِ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَدَنِهِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ رَأَى عَقِيمًا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَيَسْجُدُ (قَوْلُهُ: مُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ) وَمِنْ ذَلِكَ لُبْسُ الْقَوَاوِيقِ الْقَطِيفَةِ لِلرِّجَالِ لِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ الْحَرِيرَ وَلِلنِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالرِّجَالِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَرَزَ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ مَا لَهَا وَقْعٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَاصٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ كَمَا نَقَلُهُ الشِّهَاب سم عَنْ الشَّارِح

<<  <  ج: ص:  >  >>