للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ، أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةِ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ» .

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ.

كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكُسُوفِ بِالْإِفْرَادِ وَمُرَادُهُ بِهِ الْجِنْسُ، وَيُقَالُ فِيهِمَا خَسُوفَانِ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَهُوَ أَشْهَرُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ، وَكُسُوفُ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا، وَخُسُوفُهُ لَهُ حَقِيقَةٌ فَإِنَّ ضَوْأَهُ مِنْ ضَوْئِهَا وَسَبَبَهُ حَيْلُولَةُ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ، وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي إيثَارِهِ فِي التَّرْجَمَةِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ مُقَابِلِ الْأَشْهَرِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: ٣٧] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِذَلِكَ) فِي حَقِّ مَنْ يُخَاطَبُ بِالْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، أَوْ مُسَافِرًا؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي التَّهْنِئَةِ وَمِنْهُ الْمُصَافَحَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنَّهَا لَا تُطْلَبُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمَا بَعْدَ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، لَكِنْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالتَّهْنِئَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّوَدُّدُ وَإِظْهَارُ السُّرُورِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنَّ وَقْتَ التَّهْنِئَةِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ لَا بِلَيْلَةِ الْعِيدِ خِلَافًا لِمَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَهَنَّأَهُ) أَيْ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]

ِ. (قَوْلُهُ: صَلَاةُ الْكُسُوفَيْنِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَجِنَازَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَكْسُهُ) وَقِيلَ الْخُسُوفُ لِلْكُلِّ وَالْكُسُوفُ لِلْبَعْضِ سم عَلَى مَنْهَجٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ) أَيْ وَهُوَ إنْكَارُهُمْ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّهَا سِيقَتْ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ. نَعَمْ إنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ ذَلِكَ فَقَرِيبٌ (قَوْلُهُ: لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: قَوْلُهُ وَلَا لِحَيَاتِهِ اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمَوْتِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفَعَ تَوَهُّمَ مَنْ يَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ، فَعَمَّمَ الشَّارِعُ النَّفْيَ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: مُؤَكِّدَةٌ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْآيَةِ. وَلَعَلَّ وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْكِيدِ مِنْ الْخَبَرِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ تَكْرِيرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ]

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ مُقَابِلِ الْأَشْهَرِ) يَعْنِي الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ عَكْسُهُ إذْ هُوَ الْمُقَابِلُ الْحَقِيقِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا لِحَيَاتِهِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذِكْرِ الْمَوْتِ، إذْ الْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ خَشْيَةُ اعْتِقَادِ أَنَّ الْكُسُوفَ وَقَعَ لِمَوْتِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذِكْرِهِ مُقَابِلَهُ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ إذَا قِيلَ لَهُ كُلْ لَا آكُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>