وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ فَإِنَّ لَهُ الْمَمَرَّ إلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَمَرَّانِ تَخَيَّرَ الْبَائِعُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي وَلَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ الْقَصْدَ مُرُورُ الْبَائِعِ لِمِلْكِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اسْتَوَيَا سَعَةً وَنَحْوَهَا وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَقَوْلُهُمْ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ الْجَوَانِبِ أَنَّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ لَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ نَقْلَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ اسْتَوَى الْمَمَرَّانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ بَدَلَ مُسْتَحِقِّهِ مُعَاوَضَةٌ وَشَرْطُهَا الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فِيمَنْ لَهُ مَجْرَى فِي أَرْضِ آخَرَ فَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهَا مُسَاوٍ لِلْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ اتَّسَعَ الْمَمَرُّ بِزَائِدٍ عَلَى حَاجَةِ الْمُرُورِ فَهَلْ لِلْمَالِكِ تَضْيِيقُهُ بِالْبِنَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ حَالًا عَلَى الْمَارِّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ قَدْ يَزْدَحِمُ فِيهِ مَعَ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مَارٍّ آخَرَ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْمَارِّ تَضَرُّرٌ بِذَلِكَ التَّضْيِيقِ وَإِنْ فُرِضَ الِازْدِحَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا (وَيَصِحُّ) (بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ) وَالْحَجَرِ عِنْدَ الْجَبَلِ (وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ) مِمَّنْ حَازَهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ النَّفْعِ فِيهَا وَإِنْ سَهُلَ تَحْصِيلُ مِثْلِهَا، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ مَا قَالَهُ الثَّانِي مِنْ إمْكَانِ تَحْصِيلِ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ، فَإِنْ اخْتَصَّ بِوَصْفٍ زَائِدٍ كَتَبْرِيدِ الْمَاءِ صَحَّ قَطْعًا، وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ دَارٍ شَائِعٍ بِمِثْلِهِ الْآخَرِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ مَنْعُ رُجُوعِ الْوَالِدِ وَبَائِعِ الْمُفْلِسِ. .
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (إمْكَانُ) يَعْنِي قُدْرَةَ الْبَائِعِ حِسًّا وَشَرْعًا عَلَى (تَسْلِيمِهِ) بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَسَيَذْكُرُ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَهُوَ قُدْرَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسَلُّمِهِ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تُرَدُّ صِحَّتُهُ فِي نَقْدٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ لِصِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي بَيْعِ نَحْوِ مَغْصُوبٍ وَضَالٍّ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَوْ بَيْعًا ضِمْنِيًّا لِقُوَّةِ الْعِتْقِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ شَارِعٌ وَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى إحْدَاثِ مَمَرٍّ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ) أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ صَحَّ إنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَمَرَّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِتَخَيُّرِ الْمُشْتَرِي ثُبُوتَ الْحَقِّ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَمَرَّيْنِ، وَأَنَّ مَعْنَى التَّخَيُّرِ أَنَّهُ يَمُرُّ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَمَرِّ لَا إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا وَلَهَا مَمَرَّانِ تَخَيَّرَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ نَقْلَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ) أَيْ أَوْ شِرَاءَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ حَالًّا) وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّرْبُ مَثَلًا مَمْلُوكًا كُلُّهُ لِمَنْ هُوَ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ، وَلِغَيْرِهِ الْمُرُورُ فِي ذَلِكَ لِنَحْوِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدٍ أَحْدَثَهُ صَاحِبُ الدَّرْبِ أَوْ فُرْنٍ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّوَقُّفُ الْآتِي قَرِيبًا، أَوْ أَنَّ الدَّرْبَ بِتَمَامِهِ مَمْلُوكٌ لِوَاحِدٍ ثُمَّ بَاعَ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَأَرَادَ بَعْدَ الْبَيْعِ الْبِنَاءَ لِمَا يَضِيقُ بِهِ الْمَمَرُّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ فُرِضَ الِازْدِحَامُ فِيهِ) وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الْأَوْجَهُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِ مَالِكِهِ لِلدَّارِ تَبِعَهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَمَرِّ فَصَارَ الْمَمَرُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ تَضْيِيقِهِ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُ
(قَوْلُهُ: وَلَا تُرَدُّ صِحَّتُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: فِي نَقْدٍ) أَيْ بِنَقْدٍ
[حاشية الرشيدي]
لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنٍ بِلَا مَمَرٍّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ فَإِنَّ لَهُ الْمَمَرَّ إلَيْهِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لَهُ بَيْتًا مِنْهَا وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِلشِّهَابِ حَجّ، لَكِنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ مَا قَدَّمَهُ الشِّهَابُ حَجّ فِيهَا الْمُصَحِّحُ لِهَذَا الْكَلَامِ، وَعِبَارَتُهُ: وَفَارَقَ مَا ذَكَرَ أَوَّلًا مَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا فَإِنَّ لَهُ الْمَمَرَّ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ فَإِنْ نَفَاهُ صَحَّ إلَخْ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ فِي قَوْلَتَيْنِ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورَةِ
[مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ]
(قَوْلُهُ: بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ) قَضِيَّتُهُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ) أَيْ التَّسَلُّمِ (قَوْلُهُ: فِي نَقْدٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute