مَعَ كَوْنِهِ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَالْإِمْكَانُ يُطْلَقُ تَارَةً فِي مُقَابَلَةِ التَّعَذُّرِ وَتَارَةً فِي مُقَابَلَةِ التَّعَسُّرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ (فَلَا يَصِحُّ) (بَيْعُ الضَّالِّ) كَبَعِيرٍ نَدَّ وَطَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ اعْتَادَ الْعَوْدُ إلَى مَحَلِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَوْثُقُ بِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْعَبْدَ الْمُرْسَلَ فِي حَاجَةٍ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ نَحْلًا أَوْ كَانَ وَأُمُّهُ خَارِجُ الْخَلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلْوُثُوقِ بِعَوْدِهِ وَفَارَقَ بَقِيَّةَ الطُّيُورِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْجَوَارِحِ وَبِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ عَادَةً إلَّا مِمَّا يَرْعَاهُ، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى حَبْسِهِ لَرُبَّمَا أَضَرَّ بِهِ أَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا بَيْعُ نَحْوِ سَمَكٍ بِبِرْكَةٍ وَاسِعَةٍ يَتَوَقَّف أَخْذُهُ مِنْهَا عَلَى كَبِيرِ كُلْفَةٍ عُرْفًا، فَإِنْ سَهُلَ صَحَّ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ (وَالْآبِقِ) وَلَوْ مِمَّنْ عُرِفَ مَحَلُّهُ، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْآدَمِيِّ (وَالْمَغْصُوبِ) وَلَوْ لِمَنْفَعَةِ الْعِتْقِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ تَسَلُّمِهَا حَالًّا لِوُجُودِ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يُنَافِيهِ صِحَّةُ شِرَاءِ الزَّمِنِ لِمَنْفَعَةِ الْعِتْقِ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْفَعَةٌ حِيلَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيمَا ذَكَرَ سِوَى الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَوْلُهُ الْكَافِي: يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ التَّائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِعِتْقِهِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْحِمَارِ التَّائِهِ مَرْدُودٌ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ (لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ) أَوْ رَدِّهِ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) حَيْثُ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤْنَةٍ لَهَا وَقْعٌ لِتَيَسُّرِ وُصُولِهِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ) يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ أَنَّ الضَّالَّةَ بِالْهَاءِ خَاصَّةٌ بِالْبَهِيمَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ،
وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُقَالُ فِيهِ ضَالٌّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ يُقَالُ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَعِبَارَتُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الضَّلَالِ الْغَيْبَةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَيَوَانِ الضَّائِعِ ضَالَّةٌ بِالْهَاءِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمْعُ الضَّوَالُّ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابَّ، وَيُقَالُ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ ضَائِعٌ وَلُقَطَةٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِنْسَانَ، فَاللَّفْظُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ غَيْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَالضَّالَّةُ بِالْهَاءِ فَإِنَّ الضَّالَّ هُوَ الْإِنْسَانُ، وَالضَّالَّةُ الْحَيَوَانُ الضَّائِعُ انْتَهَى.
وَعَلَيْهِ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَجَوُّزٌ، إمَّا بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِمَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّهُمَا وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِعُمُومِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: رُؤْيَتُهُ) وَيَكْفِي فِي الرُّؤْيَةِ الرُّؤْيَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْآدَمِيِّ) لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ بِمَنْ هَرَبَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدِّ تَعَبٍ.
أَمَّا مَنْ هَرَبَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا فَيُقَالُ لَهُ هَارِبٌ لَا آبِقٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَنْفَعَةٍ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) أَيْ بَيْعُهُ إلَّا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى انْتِزَاعِهَا (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحِمَارِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ إلَّا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ مِنْ الضَّالِّ وَالْآبِقِ) وَعِبَارَةُ حَجّ: وَمِثْلُهُ الْآخَرَانِ أَوْ مَا ذَكَرَ اهـ.
وَهِيَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: لَهَا وَقَعَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِأَنْ كَانَ ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُسْتَبْدَلُ عَنْهُ فَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ) أَيْ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُوَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ يَعْنِي قَدَّرَهُ الْبَائِعُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْجَوَارِحِ) أَيْ فَلَا يَخْشَى عَدَمَ عَوْدِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ الْجَوَارِحُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِالْجَوَارِحِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِمَّنْ عُرِفَ مَحَلُّهُ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى رَدِّهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَنْفَعَةِ الْعِتْقِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِيَعْتِقَهُ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ شِرَاءِ مِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ أَيْ الْمَغْصُوبِ، وَمِثْلُ الْآخَرَانِ أَوْ مَا ذَكَرَ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ انْتَهَتْ، فَالشُّمُولُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَابِ الثَّانِي، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤْنَةٍ) أَيْ أَوْ مَشَقَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ الشِّهَابُ سم أَخْذًا مِنْ