للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ هِبَةً بَلْ تَوْلِيَةٌ وَإِيثَارٌ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْإِمَامِ) وَنَائِبِهِ وَلَوْ وَالَى نَاحِيَةٍ (أَنْ يَحْمِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ يَمْنَعَ، وَبِضَمِّهِ: أَيْ يَجْعَلَ حِمَى (بُقْعَةِ مَوَاتٍ لِرَعْيِ) خَيْلِ جِهَادٍ وَ (نَعَمِ جِزْيَةٍ) وَفَيْءٍ (وَصَدَقَةٍ وَ) نَعَمٍ (ضَالَّةٍ وَ) نَعَمٍ إنْسَانٍ (ضَعِيفٍ عَنْ النُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ فِي الذَّهَابِ لِطَلَبِ الرَّعْيِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَى النَّقِيعِ بِالنُّونِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بِقُرْبِ وَادِي الْعَقِيقِ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَمَعْنَى خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» لَا حِمَى إلَّا مِثْلُ حِمَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَكُونَ لِمَا ذُكِرَ، وَمَعَ كَثْرَةِ الْمَرْعَى بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ وَإِنْ احْتَاجُوا لِلتَّبَاعُدِ لِلرَّعْيِ، وَذِكْرُ النَّعَمِ فِيمَا عَدَا الصَّدَقَةِ لِلْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْمَاشِيَةِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَرْعَى فِي حِمًى أَوْ مَوَاتٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْعِدَّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَمَاءِ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِشُرْبِ خَيْلِ الْجِهَادِ وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (نَقْضُ حِمَاهُ) وَحِمَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ النَّقْضُ (لِلْحَاجَةِ) بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ.

وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِتَعَيُّنِهِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ بُقْعَةً لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ.

أَمَّا مَا حَمَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُنْقَضُ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ نَصَّ بِخِلَافِ حِمَى غَيْرِهِ وَلَوْ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَا يَحْمِي) الْإِمَامُ وَنَائِبُهُ (لِنَفْسِهِ) قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدْخِلَ مَوَاشِيَهُ مَا حَمَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ، وَيُنْدَبُ لَهُ نَصْبُ أَمِينٍ يُدْخِلُ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ وَيَمْنَعُ دَوَابَّ الْأَقْوِيَاءِ، فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مُنِعَ مِنْهُ، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَلَا يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الْبَقِيعِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّعْيِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا حُمِيَ بِهِ، وَمَا هُنَاكَ فِي الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا، وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى جَاهِلِ التَّحْرِيمِ.

قَالَ وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ انْتَهَى.

وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ الرَّعْيِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ فِي الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ، وَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوا فِيهِ كَمُسَامَحَتِهِمْ فِي الْغُرْمِ.

فَصْلٌ (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) الْأَصْلِيَّةُ (الْمُرُورِ) فِيهِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الصُّلْحِ وَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. أَمَّا غَيْرُ الْأَصْلِيَّةِ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ) وَلَوْ بِوَسَطِهِ (لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَانْتِظَارِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْوَظَائِفِ بِعِوَضٍ، وَحَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدُ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ) أَيْ فَلَوْ عَرَضَ بَعْدَ حِمَى الْإِمَامِ ضِيقُ الْمَرْعَى لِجَدْبٍ أَصَابَهُمْ أَوْ لِعُرُوضِ كَثْرَةِ مَوَاشِيهِمْ هَلْ يَبْطُلُ الْحِمَى بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ بِدَوَامِ الْحِمَى (قَوْلُهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ) وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ مَا حَمَى بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ الْقَوِيُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا يَأْتِي.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

(قَوْلُهُ: مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ الْأَصْلِيَّةُ) فِيهِ دَفْعُ إشْكَالِ الْحَصْرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ وَقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ اهـ سم عَلَى حَجّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>