الْمُحْيِي قَطْعًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نَقْلُ آلَاتِ الْمُتَحَجِّرِ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهُ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّ غَيْرِهِ (وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ) عُرْفًا بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يُحْيِ (قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ (أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ) مَا تَحَجَّرْته لِتَضْيِيقِهِ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَمُنِعَ مِنْهُ (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) وَأَبْدَى عُذْرًا (أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً) بِحَسَبِ رَأْيِ الْإِمَامِ رِفْقًا بِهِ وَدَفْعًا لِضَرَرِ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا بَطَلَ حَقُّهُ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ فَيَنْزِعَهَا مِنْهُ حَالًا وَلَا يُمْهِلُهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ بُطْلَانِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْعِمَارَةِ وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ إلَّا بِقَدْرِ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ فَقِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَهْيِئَتِهَا (وَلَوْ أَقْطَعهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا) يَقْدِرُ عَلَيْهِ (صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ) بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ: أَيْ مُسْتَحِقًّا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ (كَالْمُتَحَجِّرِ) فِي أَحْكَامِهِ الْمَارَّةِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ مَا أَقْطَعهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ بِإِحْيَائِهِ كَمَا لَا يَنْقُضُ حِمَاهُ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُقْطَعَ لَا يَمْلِكُ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّهُ يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى مَا إذَا أَقْطَعهُ الْأَرْضَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَتِهَا كَمَا مَرَّ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مَوَاتًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إقْطَاعُ غَيْرِهِ وَلَوْ مُنْدَرِسًا وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تُوُقِّعَ ظُهُورَ مِلْكِهِ حُفِظَ لَهُ وَإِلَّا صَارَ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ مِلْكًا أَوْ ارْتِفَاقًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً.
(وَلَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ (إلَّا قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ) حِسًّا وَشَرْعًا دُونَ ذِمِّيٍّ بِدَارِنَا (وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إحْيَائِهِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفِعْلِهِ الْمَنُوطِ بِالْمَصْلَحَةِ (وَكَذَا الْمُتَحَجِّرُ) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ مِنْ مُرِيدِهِ إلَّا فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ، وَإِلَّا فَلِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ تَحْجِيرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعًا لِمُرِيدِ الْإِحْيَاءِ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُتَحَجِّرُ لِغَيْرِهِ آثَرْتُك بِهِ أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَطْلُبَ نَزْعَهَا وَإِذَا نُزِعَتْ لَا تَنْقُصُ مِلْكَ الثَّانِي الْمُتِمِّ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَقَوْلُ سم لَا يَنْقُصُ مِلْكُ الثَّانِي أَيْ إذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ نَزْعِ آلَاتِ الْأَوَّلِ لَا يَصْلُحُ مَسْكَنًا مَثَلًا (قَوْلُهُ: نَقَلَ آلَاتِ الْمُتَحَجِّرِ) أَيْ فَإِنْ نَقَلَهَا أَثِمَ وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَقَوْلُهُ قَالَ لَهُ: أَيْ وُجُوبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: فَمُنِعَ مِنْهُ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ) أَيْ صَرِيحًا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْعِلْمِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ سِيَّمَا مَعَ دَلَالَةِ الْقَرَائِنِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَجُّرَ) عِلَّةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَأَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ الْقِيَاسُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي إقْطَاعِ الْمَوَاتِ وَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ لَيْسَتْ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ) أَيْ غَيْرُ الْمُقْطَعِ.
(قَوْلُهُ: ذِمِّيٌّ بِدَارِنَا) أَيْ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفِعْلِهِ) أَيْ فَلَوْ أَقْطَعَهُ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: إحْيَاءُ الزَّائِدِ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ الْأَوَّلُ وَبِقَوْلِهِ اخْتَرْ لَك جِهَةً انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ يَنْبَغِي الْوُجُوبُ وَذَلِكَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ الزَّائِدِ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الِاخْتِيَارِ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَاكِمَ يُعَيِّنُ جِهَةً لِمُرِيدِ الْإِحْيَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ وَامْتَنَعَ الْمُحْيِي مِنْ الِاخْتِيَارِ اخْتَارَ مُرِيدُ إحْيَاءِ الزَّائِدَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَمْتُك مُقَامِي) أَيْ وَلَوْ بِمَالٍ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيَجُوزُ لِلْمُؤَثِّرِ أَخْذُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ رَفْعِ الْيَدِ عَنْ الِاخْتِصَاصِ كَالسِّرْجِينِ، وَبِمَا ذَكَرُوهُ فِي النُّزُولِ عَنْ
[حاشية الرشيدي]
بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فَيَنْبَغِي تَحَجُّرُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) الْأَصْوَبُ بِطُولِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: أَنَّ مَا أَقْطَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: إرْفَاقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute