لَعَيْنِ مَالِهِ وَلَا يُفْتَقَرُ لِسُؤَالِ الْغَرِيمِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَكِّ الْحَاكِمِ بَلْ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَيُنْفِقُ عَلَى مُمَوِّنِهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَلَا يَتَعَدَّى لِلْحَادِثِ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَلَا يُحَلُّ بِهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ جَزْمًا وَإِنْ قِيلَ بِحُلُولِهِ بِهِ ثَمَّ وَلِهَذَا سَمَّى هُنَا بِالْغَرِيبِ (فَإِنْ كَانَ) مَالُهُ (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرُ مِنْ بَلَدِ الْبَيْعِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَوْ انْتَقَلَ لِلْبَائِعِ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَالْأَوْجَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ بِالتَّضَرُّرِ بِالتَّأْخِيرِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْبَائِعِ لَا بَلَدِ الْبَيْعِ، لَا يُقَالُ: التَّسْلِيمُ إنَّمَا يَلْزَمُ مَحِلَّ الْعَقْدِ دُونَ غَيْرِهِ فَلْيُعْتَبَرْ بَلَدُ الْعَقْدِ مُطْلَقًا.
لِأَنَّا نَقُولُ: مَمْنُوعٌ لِمَا سَيُعْلَمُ فِي الْقَرْضِ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِغَيْرِ مَحِلِّ التَّسْلِيمِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُؤْنَةٌ أَوْ تَحَمَّلَهَا، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا طَالَبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتَ الطَّلَبِ، فَإِذَا أَخَذَهَا فَهِيَ الْفَيْصُولَةُ لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ (لَمْ يُكَلِّفْ الْبَائِعَ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ) لِتَضَرُّرِهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ) وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا لِلْحِجْرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ كَالْإِفْلَاسِ بِهِ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَلْ يُبَاعُ الْمَبِيعُ وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (فَإِنْ صَبَرَ) الْبَائِعُ إلَى إحْضَارِ الْمَالِ (فَالْحِجْرُ) يُضْرَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) قَرِيبًا لِئَلَّا يُفَوِّتَ الْمَالَ
(وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ) الْحَالَّ أَصَالَةً، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ ثَمَنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ الْحَالَّ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا آثَرَ الْبَائِعَ بِالذِّكْرِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ تَصْحِيحِ إجْبَارِهِ فَذَكَرَ شَرْطَهُ (إنْ خَافَ فَوْتَهُ) بِتَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ هَرَبِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا خِلَافٍ) لِمَا فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنْ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.
نَعَمْ إنْ تَمَانَعَا وَخَافَ كُلٌّ صَاحِبَهُ أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِالدَّفْعِ لَهُ أَوْ لِعَدْلٍ ثُمَّ يُسَلِّمُ كُلًّا مَالَهُ (وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ) السَّابِقَةُ (إذَا لَمْ يَخَفْ) أَيْ الْبَائِعُ (فَوْتَهُ) أَيْ الثَّمَنَ أَوْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ) بِالتَّسْلِيمِ وَاخْتِلَافُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُنَا، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُسَلَّمِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ، لِأَنَّ الْإِجْبَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اللُّزُومِ كَمَا مَرَّ، وَالسَّلَمُ إنَّمَا يُلْزَمُ بِهِ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَبْسُ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي كَأَنْ أَجَّرَ عَيْنًا ثُمَّ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ الْفَلَسِ فَيَنْدَفِعُ هَذَا الْأَمْرُ الثَّانِي اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَيَبْقَى الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا مَرَّ فِي كَلَامِهِ.
هَذَا، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا أَجَابَ بِهِ بِأَنَّ يَسَارَهُ بِالثَّمَنِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاءِ جَمِيعِ الدُّيُونِ، إذْ بِتَقْدِيرِ أَنَّ فِي يَدِهِ مَا يَفِي بِالثَّمَنِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مُوسِرًا بِهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْيَسَارَ إنَّمَا يُنَافِي الْفَلَسَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُنَافِيهِ لِجَوَازِ طُرُوُّ يَسَارِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ بِمَوْتِ مُورَثٍ لَهُ أَوْ اكْتِسَابِ مَا يَزِيدُ بِهِ مَالُهُ عَلَى دَيْنِهِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْآنَ أَنَّهُ مُوسِرٌ مَعَ الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ بِالْفَلَسِ لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِفَكِّ قَاضٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ يَسَارِهِ بِذَلِكَ فَكُّ الْقَاضِي لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قِيلَ بِحُلُولِهِ) مَرْجُوحٌ (قَوْلُهُ: مِنْهَا) أَيْ بَلَدُ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ بَلَدِ الْبَائِعِ) أَيْ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْتَقَلَ الْبَائِعُ مِنْهُ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ أَصَالَةً (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ) أَيْ فَوَّتَ الْمَبِيعَ (قَوْلُهُ: وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْمَجْلِسِ) أَيْ فَلِلْمُتَضَرِّرِ فَسْخُ الْعَقْدِ أَوْ مُفَارِقَةُ الْمَجْلِسِ بِلَا قَبْضٍ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) أَيْ بَعْدَ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، فَلَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْخِيَارِ.
[فَرْعٌ] لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَوْ انْتَقَلَ الْبَائِعُ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ مَحَلِّ الْعَقْدِ إلَى الْمَالِ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ إذْ الصُّورَةُ أَنَّ الْمَالَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَحَلِّ الْعَقْدِ
[لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ]
(قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ صَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِهَذَا الْبَيْعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَالِكَ بَاعَ شَيْئًا لِاثْنَيْنِ سَوِيَّةً لِكُلٍّ النِّصْفُ
[بَابُ التَّوْلِيَةِ] .