للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمُعَارُ أَرْضًا وَقَدْ غَرَسَهَا الْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ

(وَلَا) (يَصِحُّ بَيْعُ) الْمُثَمَّنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ نَحْوِ (الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ بِغَيْرِ نَوْعِهِ أَوْ وَصْفِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ.

وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُتَفَاسَخَا عَقْدَ السَّلَمِ لِيَصِيرَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَدْفَعَ لَهُ مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدِينٍ.

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ عُقِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَنَاقُضٍ لَهُمَا (وَالْجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ) فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ بَيْعٌ بِجِنْسِهِ لِتَفْوِيتِهِ مَا شُرِطَ فِيهِ مِنْ قَبْضِ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وَلِهَذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ مُمْتَنِعًا، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ غَلَّطَهُ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ (عَنْ الثَّمَنِ) نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ، لَكِنْ حَيْثُ لَزِمَ الْعَقْدُ لَا قَبْلَ لُزُومِهِ لِخَبَرِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَكَالثَّمَنِ كُلُّ دَيْنٍ مَضْمُونٍ بِعَقْدٍ كَأُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَدَيْنِ ضَمَانٍ وَلَوْ ضَمَانَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ، وَيُفَارِقُ الْمُثَمَّنَ بِأَنَّهُ يُقْصَدُ عَيْنُهُ وَنَحْوُ الثَّمَنِ يُقْصَدُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْمَأْخُوذُ بِالسَّوْمِ ثَوْبَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْقِيمَةِ وَقَدْ أَرَادَ شِرَاءَ أَعْجَبْهُمَا إلَيْهِ فَقَطْ وَتَلِفَ فَهَلْ يَضْمَنُ أَكْثَرَهُمَا قِيمَةً أَوْ أَقَلَّهُمَا لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ الْأَقَلُّ قِيمَةً وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ اهـ سم عَلَى حَجّ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ لِلْكُلِّ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَسُومُهُ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ كَثَوْبٍ يُرِيدُ شِرَاءَ بَعْضِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ كَالثَّوْبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَخْذَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

لَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ مَأْخُوذٌ بِالسَّوْمِ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْآخَرَ.

لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ النِّصْفَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَعْلَى يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ ثُمَّ يَنَزَّلُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُعِير مَنْزِلَةَ الْمُعِيرِ فَيُخَيِّرُ بَيْنَ قَلْعِهِ وَغَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ وَيَمْلِكُهُ بِالْقِيمَةِ وَتَبْقِيَتَهُ بِالْأُجْرَةِ

(قَوْلُهُ: أَوْ وَصْفِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَيِّدِ عَنْ رَدِيءٍ كَعَكْسِهِ، وَعَلَّلَ الشَّارِحُ ثَمَّ جَوَازَ أَخْذِ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ بِأَنَّهُمَا إذَا تَرَاضَيَا بِهِ كَانَ مُسَامَحَةً بِصِفَةٍ، وَعَلَّلَ الْقَوْلَ بِجَوَازِ اسْتِبْدَالِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بِأَنَّ الْجِنْسَ يَجْمَعُهُمَا فَكَانَ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ قَالَ: وَرُدَّ بِقُرْبِ الِاتِّحَادِ هُنَا: أَيْ فِي الصِّفَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا بِالصِّفَةِ مَا يَظْهَرُ مَعَهُ تَأْثِيرٌ قَوِيٌّ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَالنَّوْعَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ اخْتِلَافِ النَّوْعِ الْحِنْطَةَ الْبَيْضَاءَ بِالسَّمْرَاءِ مَعَ أَنَّ الْحَاصِلَ فِيهِمَا مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ صِفَةٍ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ نَحْوَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِتَقْوِيَتِهِ إلَخْ) أَمَّا الرِّبَوِيُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ لِتَفْوِيتِهِ إلَخْ فَهُوَ عِلَّةٌ لِمُقَدِّرٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرِّبَوِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوَازِهِ) أَيْ الْإِبْرَاءُ فِيهِ: أَيْ الرِّبَوِيُّ (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَ لُزُومِهِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ امْتِنَاعِ الِاسْتِبْدَالِ قَبْلَ اللُّزُومِ مَعَ أَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ لَا يَسْتَدْعِي لُزُومَ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ إجَازَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُسْتَثْنًى (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ) أَيْ لَا لَوْمَ (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ) أَيْ الثَّمَنُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ

[بَيْعُ الْمُثَمَّنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ]

. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ) وَكَذَا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَفَاسَخَا عَقْدَ السَّلَمِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاسُخُ بِغَيْرِ سَبَبٍ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ بِيعَ بِجِنْسِهِ) وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا دُونَ الْجِنْسِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ وَنَقَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ الْإِيعَابِ لِلشِّهَابِ حَجّ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ: أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِبْدَالُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: وَكَالثَّمَنِ كُلُّ دَيْنٍ مَضْمُونٍ بِعَقْدٍ) شَمِلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ

.

<<  <  ج: ص:  >  >>