للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَالسِّيَاقُ يُؤَيِّدُهُ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّقْهُمْ، وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ. لَا يُقَالُ: لَوْ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ لَمَا هَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَعَلَّهُ هَمَّ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

(وَ) الْجَمَاعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ) وَالْخُنْثَى (أَفْضَلُ) مِنْهَا خَارِجَةً لِخَبَرِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَالطَّهَارَةِ، وَإِظْهَارُ الشِّعَارِ، وَكَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَتْ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ أَقَلَّ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ جَمَاعَةَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ قَلَّتْ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَهُ، وَإِنْ كَثُرَتْ، وَبِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَرْعٌ] إذَا عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ الشَّعَارُ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِهِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إيجَارُ نَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ؟ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إيجَارُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ كَالسَّفَرِ الْمُفَوِّتِ؟ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ أَوْ يَضْطَرَّ لِذَلِكَ الْإِيجَارِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى هُنَا بِأَدْنَى حَاجَةٍ أَخْذًا مِنْ تَجْوِيزِهِمْ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمُجَرَّدِ الْوَحْشَةِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَحَيْثُ لَا حَاجَةَ حَرُمَتْ الْإِجَارَةُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّى وَآجَرَ نَفْسَهُ هَلْ تَصِحُّ أَوْ لَا؟ نُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ سم الصِّحَّةُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.

وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ شُرُوطِ الْبَيْعِ، وَالْحُرْمَةُ فِيهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَأَمَّا هُنَا فَالْمُؤَجِّرُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْمَاءَ الَّذِي يَحْتَاجُهُ لِطَهَارَتِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ (قَوْلُهُ: فَأُحَرِّقُ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ، وَيُرْوَى فَأُحْرِقُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ أَحْرَقْت وَحَرَقْت، وَالتَّشْدِيدُ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى انْتَهَى شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ) يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمَالِ، بَلْ الْمُرَادُ تَحْرِيقُ الْمَقْصُودَيْنِ وَالْبُيُوتُ تَبَعٌ لِلْقَاطِنَيْنِ بِهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ «فَأُحَرِّقُ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا» . انْتَهَى فَتْحُ الْبَارِي لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَالسِّيَاقُ يُؤَيِّدُهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت» إلَخْ. انْتَهَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. (قَوْلُهُ: نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ) أَيْ نَاسِخٌ لِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْخَطَأُ مِنْهُ أَصْلًا خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، بَلْ يُنَبَّهُ عَلَى الصَّوَابِ بِالْوَحْيِ حَالًا. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ) أَيْ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ،

وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَمَثَلْت بِالْقَتِيلِ مَثْلًا مِنْ بَابَيْ قَتَلَ وَضَرَبَ: إذَا جَدَعْته وَظَهَرَ آثَارُ فِعْلِك عَلَيْهِ تَنْكِيلًا، وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةٌ وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ، وَالْمَثُلَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الثَّاءِ الْعُقُوبَةُ. اهـ

(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ» ) أَيْ صَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ) أَيْ إلَّا إذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ) هَذَا لَا يَدْفَعَ الْإِيرَادَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ التَّحْرِيقُ، وَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ عَيْنٍ، مَعَ أَنَّ الْمُثْلَةَ حَرَامٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ حَجّ.

[الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَفْضَلُ]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إلَخْ) فِيهِ أُمُورٌ: مِنْهَا أَنَّ الْمُقْتَضِيَ بِالْكَسْرِ وَالْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ هُنَا مُتَّحِدَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ عَنْ فَتَاوَى وَالِدِهِ الَّتِي تَصَرَّفَ فِيهَا هَذَا التَّصَرُّفَ.

وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وَيَدُلُّ لَهُ إلَخْ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذُكِرَ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى سُئِلَ هَلْ الْأَفْضَلُ الْجَمَاعَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ الْكَثِيرَةُ فِي غَيْرِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ قَلَّتْ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَهُ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>